لِأَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ، وَالْفَسْخُ رَفْعُ الْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ رَفَعَ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ فَيَكُونُ فَسْخُهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّهُ فَسَخَ ذَلِكَ الْعَقْدَ، وَحُكْمُ الْفَسْخِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُ وَبَيْنَ الْمَنْقُولِ وَغَيْرِ الْمَنْقُولِ، وَتَبْطُلُ تَسْمِيَةُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَالْجِنْسُ الْآخَرُ وَالْأَجَلُ، وَتَبْقَى الْإِقَالَةُ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ تَسْمِيَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ وَبِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الرِّبَا فِيهِ.
وَالْإِقَالَةُ رَفْعُ الْبَيْعِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَمَكُّنُ الرِّبَا فِيهِ فَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْإِقَالَةُ عَلَى مَا سَمَّيَا؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ جَدِيدٌ كَأَنَّهُ بَاعَهُ فِيهِ ابْتِدَاءً، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَبِيعُ عَقَارًا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ جَعْلُهُ بَيْعًا؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ مَنْقُولًا فَالْإِقَالَةُ فَسْخٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا بَيْعًا لِأَنَّ بَيْعَ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَكُلُّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا تَجُوزُ إقَالَتُهُ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ عِنْدَهُ فِي الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْإِقَالَةُ تَكُونُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَتَبْطُلُ تَسْمِيَةُ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَالْجِنْسُ الْآخَرُ وَالنُّقْصَانُ وَالْأَجَلُ يَكُونُ فَسْخًا كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَيْعًا لَكِنَّ بَيْعَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ مَنْقُولًا كَانَ أَوْ عَقَارًا.
وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ تَقَايَلَا مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ أَصْلًا، أَوْ سَمَّيَا الثَّمَنَ الْأَوَّلَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ أَوْ نَقَصَا عَنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَالْإِقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَتَبْطُلُ تَسْمِيَةُ النُّقْصَانِ وَتَكُونُ فَسْخًا أَيْضًا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀: إنَّهَا فَسْخٌ فِي الْأَصْلِ وَلَا مَانِعَ مِنْ جَعْلِهَا فَسْخًا فَتُجْعَلُ فَسْخًا وَإِنْ تَقَايَلَا عَنْ الزِّيَادَةِ أَوْ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ سِوَى جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَالْإِقَالَةُ عَلَى مَا سَمَّيَا وَيَكُونُ بَيْعًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا فَسْخًا هَهُنَا؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْفَسْخِ أَنْ يَكُونَ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهَا فَسْخًا تُجْعَلُ بَيْعًا بِمَا سَمَّيَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَايَلَا عَلَى أَنْقَصَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِقَالَةَ تَكُونُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ عِنْدَهُ، وَتُجْعَلُ فَسْخًا وَلَا تُجْعَلُ بَيْعًا عِنْدَهُ لِأَنَّ هَذَا سُكُوتٌ عَنْ نَقْصِ الثَّمَنِ وَذَلِكَ نَقْصُ الثَّمَنِ، وَالسُّكُوتُ عَنْ النَّقْصِ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ السُّكُوتِ عَنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَهُنَاكَ يُجْعَلُ فَسْخًا لَا بَيْعًا فَهَهُنَا أَوْلَى وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَم.
وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعٌ فَقُضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ الْمُشْتَرِي أَنْ يُسَلِّمَ الشُّفْعَةَ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ بَاطِلَةٌ وَكَذَا تَسْمِيَةُ الْجِنْسِ الْآخَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ ﵏؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قُضِيَ لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ فَقَدْ انْتَقَلَتْ الصَّفْقَةُ إلَيْهِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَالتَّسْلِيمُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ يَكُونُ إقَالَةً عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ فَتَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ وَيَصِحُّ التَّسْلِيمُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ عِنْدَهُمَا، وَإِنَّمَا اتَّفَقَ جَوَابُهُمَا هَهُنَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى جَوَازَ بَيْعِ الْمَبِيعِ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَبْقَى فَسْخًا عَلَى الْأَصْلِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الزِّيَادَةُ صَحِيحَةٌ وَكَذَا تَسْمِيَةُ جِنْسٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ عِنْدَهُ بَيْعٌ وَلَا مَانِعَ مِنْ جَعْلِهَا بَيْعًا فَتَبْقَى بَيْعًا عَلَى الْأَصْلِ.
وَلَوْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ فِي الْمَنْقُولِ ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا قَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ يَدِهِ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَهَذَا يَطَّرِدُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، أَمَّا عَلَى أَصْلِ زُفَرَ فَلِأَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ مُطْلَقٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ وَالْمُشْتَرِي أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَعَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ فَسْخٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ جَعْلِهِ فَسْخًا، وَلَا مَانِعَ هَهُنَا مِنْ جَعْلِهِ فَسْخًا بَلْ وُجِدَ الْمَانِعُ مِنْ جَعْلِهِ بَيْعًا؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ فَكَانَتْ الْإِقَالَةُ فَسْخًا عِنْدَهُمْ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا بَيْعَ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَجَازَ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا يَطَّرِدُ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ عِنْدَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ بَيْعٌ مُطْلَقٌ.
وَبَيْعُ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فَكَانَ هَذَا الْفِعْلُ حُجَّةً عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَنْهُ الْخِلَافُ فِيهِ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَطَّرِدُ أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَعْدَ الْقَبْضِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا لِمَانِعٍ وَلَا مَانِعَ مِنْ جَعْلِهَا بَيْعًا هَهُنَا لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا لَا تَفْسُدُ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَتُجْعَلُ بَيْعًا فَكَانَ هَذَا بَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَمْ يَجُزْ.
وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ فَسْخًا لَكِنْ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ.
وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَهِيَ بَيْعٌ وَالْمُشْتَرِي غَيْرُهُمَا فَكَانَ بَيْعًا فِي بَيْعِهِ فَيَكُونُ بَيْعَ