تَتَجَزَّأُ وَذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ شَرْعًا ذِكْرٌ لِكُلِّهِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَإِذَا أَضَافَهَا إلَى الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأَجْزَاءِ الْمُعَيَّنَةِ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَهِيَ فِي حُكْمِ الْكَفَالَةِ مُتَجَزِّئَةٌ فَلَا يَكُونُ ذِكْرُهَا ذِكْرًا لِجَمِيعِ الْبَدَنِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ.
وَلَوْ قَالَ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ هُوَ عَلَيَّ جَازَ لِأَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي الْتِزَامِ تَسْلِيمِ النَّفْسِ وَكَذَا إذَا قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لِوَجْهِهِ لِأَنَّ الْوَجْهَ جُزْءٌ جَامِعٌ.
وَلَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَتِهِ لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَا تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً عَلَى الْأَصِيلِ وَلَوْ قَالَ لِلطَّالِبِ أَنَا ضَامِنٌ لَك لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ غَيْرُ مَعْلُومٍ أَصْلًا ثُمَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنِ وَالْفِعْلِ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْرِيعَاتِ عَلَيْهَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀ إنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْكَفَالَةَ أُضِيفَتْ إلَى غَيْرِ مَحِلِّهَا فَلَا تَصِحُّ وَدَلَالَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ الدَّيْنِ فَكَانَ مَحِلَّهَا الدَّيْنُ فَلَمْ تُوجَدْ، وَالتَّصَرُّفُ الْمُضَافُ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ بَاطِلٌ وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِهِ شَرْطُ جَوَازِ الْكَفَالَةِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْإِعْتَاقِ لَا تَتَحَقَّقُ.
(وَلَنَا) قَوْلُهُ ﷿ ﴿وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ﴾ [يوسف: ٧٢] أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ شَأْنُهُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالْعَيْنِ عَنْ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَلَمْ يُغَيِّرْ وَالْحَكِيمُ إذَا حَكَى عَنْ مُنْكَرٍ غَيَّرَهُ وَلِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَى زَمَنِ الشَّافِعِيِّ ﵀ فَكَانَ الْإِنْكَارُ خُرُوجًا عَنْ الْإِجْمَاعِ فَكَانَ بَاطِلًا وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ أُضِيفَتْ إلَى مَضْمُونٍ عَلَى الْأَصِيلِ مَقْدُورِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْكَفِيلِ فَتَصِحُّ أَصْلُهُ الْكَفَالَةُ بِالدَّيْنِ وَقَوْلُهُ الْكَفَالَةُ الْتِزَامُ الدَّيْنِ مَمْنُوعٌ بَلْ هِيَ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ بِمَضْمُونٍ عَلَى الْأَصِيلِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا وَقَدْ يَكُونُ عَيْنًا وَالْعَيْنُ مَقْدُورَةُ التَّسْلِيمِ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ كَالدَّيْنِ عَبْدٌ مُقَرٌّ بِالرِّقِّ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَخَذَ مِنْهُ الْمَوْلَى كَفِيلًا بِنَفْسِهِ فَأَبَقَ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ وَكَذَا لَوْ كَفَلَ بَعْدَ إبَاقِهِ لِمَا قُلْنَا وَكَذَا لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ حُرٌّ وَكَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ عَبْدُهُ فَمَاتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا شَيْءَ عَلَى الْأَصِيلِ لِمَا ذَكَرْنَا
وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى فِي يَدِ ثَالِثٍ فَقَالَ أَنَا ضَامِنٌ لَك قِيمَةَ هَذَا إنْ اسْتَحْقَقْتَهُ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ عَبْدُهُ فَمَاتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْكَفِيلُ ضَامِنٌ كُلَّ قِيمَتِهِ لِأَنَّ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَفَلَ بِمَضْمُونِ صَبِيٍّ فِي يَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ وَادَّعَى رَجُلٌ آخَرُ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَضَمِنَ لَهُ إنْسَانٌ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَقَدْ مَاتَ الصَّبِيُّ فَالْكَفِيلُ ضَامِنٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَمَّا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَفِيلٌ بِمَضْمُونٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ ادَّعَى عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ غَصَبَهُ عَبْدًا فَقَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ قَالَ رَجُلٌ أَنَا ضَامِنٌ بِالْعَبْدِ الَّذِي يَدَّعِي فَهُوَ ضَامِنٌ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْعَبْدِ فَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَضْمُونٍ عَلَى الْأَصِيلِ وَهُوَ إحْضَارُهُ مَجْلِسَ الْقَاضِي فَإِنْ هَلَكَ وَاسْتَحَقَّهُ بِبَيِّنَةٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَفَلَ بِمَضْمُونٍ بِعَيْنٍ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ غَضَبُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَاسْتَهْلَكَهَا أَوْ عَبْدًا وَمَاتَ فِي يَدِهِ فَقَالَ رَجُلٌ خَلِّهِ فَأَنَا ضَامِنُ الْمَالِ أَوْ لَقِيمَةِ الْعَبْدِ فَهُوَ ضَامِنٌ يَأْخُذُهُ بِهِ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَا يَقِفُ عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ بِقَوْلِهِ أَنَا ضَامِنٌ لَقِيمَةِ الْعَبْدِ أَقَرَّ بِكَوْنِ الْقِيمَةِ وَاجِبَةً عَلَى الْأَصِيلِ فَقَدْ كَفَلَ بِمَضْمُونٍ عَلَى الْأَصِيلِ فَلَا يَقِفُ عَلَى الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ هُنَاكَ مَا عُرِفَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِإِقْرَارِهِ بَلْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا، وَالنَّوْعُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ بِهِ مَقْدُورَ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى الْكَفِيلِ لِيَكُونَ الْعَقْدُ مُفِيدًا فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْكَفِيلِ فَلَا تُفِيدُ الْكَفَالَةُ فَائِدَتَهَا وَهَهُنَا شَرْطٌ ثَالِثٌ لَكِنَّهُ يَخُصُّ الدَّيْنَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْمُكَاتَبِ لِمَوْلَاهُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ لَازِمٍ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ إسْقَاطَ الدَّيْنِ عَنْ نَفْسِهِ بِالتَّعْجِيزِ لَا بِالْكَسْبِ بِمَضْمُونٍ وَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَبِحَدِّ الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ إذَا بَذَلَهَا الْمَطْلُوبُ فَأَعْطَاهُ بِهَا كَفِيلًا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ كَفَالَةٌ بِمَضْمُونٍ عَلَى الْأَصِيلِ مَقْدُورِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْكَفِيلِ فَتَصِحُّ كَالْكَفَالَةِ بِتَسْلِيمِ نَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ إعْطَاءِ الْكَفِيلِ عِنْدَ الطَّلَبِ هَلْ يَجْبُرُهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجْبُرُهُ وَقَالَ، أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجْبُرُهُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ نَفْسَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَالْحَدُّ مَضْمُونُ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ عِنْدَ الطَّلَبِ كَنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ ثُمَّ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا عِنْدَ الطَّلَبِ فَكَذَا هَذَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَفَالَةَ شُرِعَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute