وَغَرَضُ الِاسْتِخْدَامِ لَا يَحْصُلُ عِنْدَ فَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، فَيَتَقَيَّدُ بِالسَّلَامَةِ عَنْ هَذِهِ الصِّفَةِ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: لَا يَجُوزُ تَحْرِيرُهَا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ كَانَ نَصُّ التَّحْرِيرِ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ السَّلَامَةِ لِثُبُوتِهَا دَلَالَةً كَذَا هَذَا.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ بِإِطْلَاقِهَا يَقَعُ عَلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ كَمَا يَقَعُ عَلَى سَلِيمَةِ الْأَطْرَافِ، فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَقَدْ وُجِدَ.
(وَأَمَّا) فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ فَلِأَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ بِتَحْرِيرِ رَقَبَةٍ، وَالرَّقَبَةُ اسْمٌ لِذَاتٍ مُرَكَّبٍ مِنْ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ، فَإِذَا فَاتَ مَا يَقُومُ بِهِ جِنْسٌ مِنْ مَنَافِعِ الذَّاتِ، انْتَقَضَ الذَّاتُ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقُ اسْمِ الرَّقَبَةِ فَأَمَّا اسْمُ الْجَارِيَةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الذَّاتِ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ، فَلَا يَقْدَحُ نُقْصَانُهَا فِي اسْمِ الْجَارِيَةِ، بِخِلَافِ اسْمِ الرَّقَبَةِ حَتَّى إنَّ التَّوْكِيلَ لَوْ كَانَ بِشِرَاءِ رَقَبَةٍ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْكَفَّارَةِ كَذَا قَالُوا.
وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً وَكَالَةً صَحِيحَةً، وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا، فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ جَارِيَةً، إنْ اشْتَرَى بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ بِزِيَادَةٍ يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهَا جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ اشْتَرَى بِزِيَادَةٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْقَلِيلَةَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا فَلَوْ مَنَعْتَ النَّفَاذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى الْوُكَلَاءِ وَلَامْتَنَعُوا عَنْ قَبُولِ الْوَكَالَاتِ وَبِالنَّاسِ حَاجَةٌ إلَيْهَا، فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى تَحَمُّلِهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْكَثِيرِ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إنْ كَانَتْ زِيَادَةً تَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَهِيَ قَلِيلَةٌ، وَمَا لَا تَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِهِمْ فَهِيَ كَثِيرَةٌ؛ لِأَنَّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، لَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ زِيَادَةً وَمَا لَا يَدْخُلُ كَانَتْ زِيَادَتُهُ مُتَحَقَّقَةً، وَقَدَّرَ مُحَمَّدٌ الزِّيَادَةَ الْقَلِيلَةَ الَّتِي يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهَا فِي الْجَامِعِ بِنِصْفِ الْعُشْرِ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ نِصْفَ الْعُشْرِ أَوْ أَقَلَّ فَهِيَ مِمَّا يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْعُشْرِ فَهِيَ مِمَّا لَا يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهَا، وَقَالَ الْجَصَّاصُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ، لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ التَّقْدِيرِ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السِّلَعِ.
مِنْهَا مَا يُعَدُّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ غَبْنًا فِيهِ، وَمِنْهَا مَا لَا يُعَدُّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ غَبْنًا فِيهِ، وَقَدَّرَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى: الْقَلِيلَ بالده ينم وَفِي الْحَيَوَانِ بالده يازده وَفِي الْعَقَارِ بالده دوازده، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ إذَا اشْتَرَى نِصْفَهُ فَالشِّرَاءُ مَوْقُوفٌ إنْ اشْتَرَى بَاقِيَهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ الْوَكِيلِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ وَلَوْ خَاصَمَ الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَ إلَى الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَكِيلُ الْبَاقِيَ، وَأَلْزَمَ الْقَاضِي الْوَكِيلَ ثُمَّ إنَّ الْوَكِيلَ اشْتَرَى الْبَاقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ.
وَكَذَلِكَ هَذَا فِي كُلِّ مَا فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ وَفِي تَشْقِيصِهِ عَيْبٌ، كَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ، فَبَاعَ نِصْفَهُ أَوْ جُزْءًا مِنْهُ مَعْلُومًا أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ بَاعَ الْبَاقِيَ مِنْهُ أَوْ لَا، وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا.
وَلَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ مَا اشْتَرَى نِصْفَهُ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ أَعْتَقَهُ الْمُوَكِّلُ جَازَ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْوَكِيلُ لَمْ يَجُزْ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ خَالَفَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُشْتَرِيًا لِلْمُوَكِّلِ فَكَيْفَ يَنْفُذُ مِنْهُ إعْتَاقُهُ وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ، فَيَنْفُذُ إعْتَاقُهُ.
وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ إعْتَاقَ الْمُوَكِّلِ صَادَفَ عَقْدًا مَوْقُوفًا نَفَاذُهُ عَلَى إجَازَتِهِ، فَكَانَ الْإِعْتَاقُ إجَازَةً مِنْهُ، كَمَا إذَا صَرَّحَ بِالْإِجَازَةِ.
وَإِعْتَاقُ الْوَكِيلِ لَمْ يُصَادِفْ عَقْدًا مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ، فَلَمْ يَحْتَمِلْ التَّوَقُّفَ عَلَى إجَازَتِهِ؛ فَبَطَلَ.
وَإِنْ كَانَ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ وَلَا فِي تَشْقِيصِهِ عَيْبٌ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ، وَلَا يَقِفُ لُزُومُهُ عَلَى شِرَاءِ الْبَاقِي.
نَحْوَ إنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ كُرِّ حِنْطَةٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَاشْتَرَى نِصْفَ الْكُرِّ بِخَمْسِينَ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَاشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ، لَزِمَ الْمُوَكِّلَ إجْمَاعًا.
وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعَبِيدِ، فَاشْتَرَى وَاحِدًا مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ إذَا اشْتَرَى عِشْرِينَ رَطْلًا بِدِرْهَمٍ مِنْ لَحْمٍ يُبَاعُ مِثْلُهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ، لَزِمَ الْمُوَكِّلَ مِنْهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَلْزَمُهُ الْعِشْرُونَ بِدِرْهَمٍ وَلَوْ اشْتَرَى عَشْرَةَ أَرْطَالٍ وَنِصْفَ رَطْلٍ بِدِرْهَمٍ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ اسْتِحْسَانًا.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ هَذَا خِلَافٌ صُورَةً لَا مَعْنًى لِأَنَّهُ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ، وَذَا لَا يَمْنَعُ النَّفَاذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ.
كَمَا إذَا اشْتَرَى عَشَرَةَ أَرْطَالٍ وَنِصْفًا بِدِرْهَمٍ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ كَذَا هَذَا.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْآمِرِ، فَلَا يَتَعَدَّى تَصَرُّفُهُ مَوْضِعَ الْأَمْرِ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ فَلَا يَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ.
بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى عَشَرَةَ أَرْطَالٍ وَنِصْفَ رَطْلٍ بِدِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْقَلِيلَةَ لَا تَتَحَقَّقُ زِيَادَةً