للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِدُخُولِهَا بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ.

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِمِائَةٍ، فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَاوِي مِائَةً رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَاشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ، لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الثَّانِيَ بِبَقِيَّةِ الْأَلْفِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا، يَلْزَمُهُ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ خِلَافًا وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

وَالْوَكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ، وَإِذَا اشْتَرَى يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ عَزْلٌ لِنَفْسِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ، كَمَا لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْهُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّه - تَعَالَى -.

(وَأَمَّا) الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ إذَا اشْتَرَى يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِلْمُوَكِّلِ.

وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ: أَنَّهُ إذَا قَالَ: اشْتَرَيْتُهُ لِنَفْسِي، وَصَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ، فَالْمُشْتَرَى لَهُ، وَإِذَا قَالَ الْمُوَكِّلُ: اشْتَرَيْتُهُ لِي وَصَدَّقَهُ الْوَكِيلُ، فَالْمُشْتَرَى لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ، كَمَا يَمْلِكُ لِلْمُوَكِّلِ، فَاحْتُمِلَ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ، وَاحْتُمِلَ شِرَاؤُهُ لِمُوَكَّلِهِ، فَيَحْكُمُ فِيهِ التَّصْدِيقُ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بِتَصَادُقِهِمَا.

وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْوَكِيلُ: اشْتَرَيْتُهُ لِنَفْسِي، وَقَالَ الْمُوَكِّلُ: بَلْ اشْتَرَيْتَهُ لِي، يَحْكُمُ فِيهِ الثَّمَنُ، فَإِنْ أَدَّى الْوَكِيلُ الثَّمَنَ مِنْ دَرَاهِمَ نَفْسِهِ.

فَالْمُشْتَرَى لَهُ، وَإِنْ أَدَّاهُ مِنْ دَرَاهِمَ مُوَكِّلِهِ؛ فَالْمُشْتَرَى لِمُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ نَقْدُ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ مَنْ يُشْتَرَى لَهُ، فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلثَّمَنِ، فَكَانَ صَادِقًا فِي حُكْمِهِ.

(وَأَمَّا) إذَا لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ وَقْتَ الشِّرَاءِ، وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ يَحْكُمُ فِيهِ الثَّمَنُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ.

(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُتَصَرِّفًا لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ، فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْوَكِيلِ فَكَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ.

(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصَّلَاحِ وَالسَّدَادِ مَا أَمْكَنَ وَذَلِكَ فِي تَحْكِيمِ الثَّمَنِ عَلَى مَا مَرَّ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ فِي بَابِ الشِّرَاءِ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ، فَيُؤَدِّي إلَى الْإِحَالَةِ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ مُسَلِّمًا وَمُتَسَلَّمًا مُطَالِبًا وَمُطَالَبًا؛ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي الشِّرَاءِ مِنْ نَفْسِهِ.

وَلَوْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ بِذَلِكَ لَا يَصِحُّ، لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى مِنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شِرَاءٌ مِنْ نَفْسِهِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى مِنْ عَبْدِهِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، أَوْ مُكَاتَبِهِ.

وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ مِنْ أَبِيهِ، وَجَدِّهِ، وَوَلَدِهِ، وَوَلَدِ وَلَدِهِ، وَزَوْجَتِهِ، وَكُلِّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا اشْتَرَى بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، أَوْ بِأَقَلَّ، أَوْ بِزِيَادَةٍ يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهَا.

وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ مِنْ عَبْدِهِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَمُكَاتَبِهِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ بِحُجَجِهَا مِنْ قَبْلُ.

وَلَوْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ عَامَّةً، بِأَنْ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ مَا شِئْتَ، أَوْ قَالَ لَهُ: بِعْ مِنْ هَؤُلَاءِ، أَوْ أَجَازَ مَا صَنَعَهُ الْوَكِيلُ، جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ التُّهْمَةُ وَقَدْ زَالَتْ بِالْأَمْرِ وَالْإِجَازَةِ.

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ، وَوَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا طَعَامًا، فَهُوَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ لَا عَلَى الْفَاكِهَةِ وَاللَّحْمِ وَالْخُبْزِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ كَانَ اسْمًا لِمَا يُطْعَمُ، لَكِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ بِقَرِينَةِ الشِّرَاءِ فِي الْعُرْفِ، وَلِهَذَا سُمِّيَ السُّوقُ الَّذِي تُبَاعُ فِيهِ الْحِنْطَةُ وَالدَّقِيقُ سُوقَ الطَّعَامِ دُونَ غَيْرِهِ، إلَّا إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ قَلِيلًا، كَالدَّرَاهِمِ وَنَحْوِهِ، أَوْ كَانَ هُنَاكَ وَلِيمَةً فَيَنْصَرِفُ إلَى الْخُبْزِ، وَقِيلَ: يَحْكُمُ الثَّمَنُ إنْ كَانَ قَلِيلًا يَنْصَرِفُ إلَى الْخُبْزِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا.

وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي بِدِرْهَمٍ لَحْمًا، يَنْصَرِفُ إلَى اللَّحْمِ الَّذِي يُبَاعُ فِي السُّوقِ، وَيَشْتَرِي النَّاسُ مِنْهُ فِي الْأَغْلَبِ مِنْ لَحْمِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِشِرَائِهِ.

وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمَشْوِيِّ وَالْمَطْبُوخِ، إلَّا إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَنَزَلَ خَانًا، وَدَفَعَ إلَى إنْسَانٍ دِرْهَمًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ لَحْمًا وَلَا إلَى لَحْمِ الطَّيْرِ وَالْوَحْشِ وَالسَّمَكِ وَلَا إلَى شَاةٍ حَيَّةٍ وَلَا إلَى مَذْبُوحَةٍ غَيْرِ مَسْلُوخَةٍ؛ لِانْعِدَامِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِاشْتِرَائِهِ، وَإِنْ اشْتَرَى مَسْلُوخًا جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْمَسْلُوخَ يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ فِي الْعَادَةِ، وَلَا إلَى الْبَطْنِ وَالْكِرْشِ وَالْكَبِدِ وَالرَّأْسِ وَالْكُرَاعِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَحْمٍ، وَلَا يُشْتَرَى مَقْصُودًا أَيْضًا بَلْ تَبَعًا لِلَّحْمِ فَلَا يَنْصَرِفُ مُطْلَقُ التَّوْكِيلِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، أَنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ ذِكْرًا وَتَسْمِيَةً، وَمَبْنَى الْوَكَالَةِ عَلَى الْعُرْفِ عَادَةً وَفِعْلًا أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَ الْحِنْثِ يَلْزَمُ بِأَكْلِ الْقَدِيدِ.

وَلَوْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ الْقَدِيدَ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ؛ لِانْعِدَامِ الْعَادَةِ بِبَيْعِ الْقَدِيدِ فِي الْأَسْوَاقِ فِي الْغَالِبِ.

وَلَا إلَى شَحْمِ الْبَطْنِ وَالْأَلْيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِلَحْمٍ.

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ أَلْيَةٍ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَحْمًا؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ اسْمًا وَمَقْصُودًا.

وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سَمَكًا بِدِرْهَمٍ فَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>