للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَقْبُوضُ مِثْلَ حَقِّهِ أَوْ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ، أَمَّا إذَا كَانَ أَجْوَدَ مِنْ حَقِّهِ فَلِأَنَّ الْجَوْدَةَ لَا عِبْرَةَ بِهَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الرَّدِيءُ إذَا أَعْطَى الْجَيِّدَ يُجْبِرُ صَاحِبَ الدَّيْنِ عَلَى الْقَبُولِ فَكَانَ قَبْضُهُ قَبْضًا لِعَيْنِ الْحَقِّ، وَإِنْ كَانَ أَرْدَأَ فَقَبْضُ الرَّدِيءِ عَنْ الْجَيِّدِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَمَا قَبَضَ الشَّرِيكُ مِنْ شَرِيكِهِ يَكُونُ قَدْرُ ذَلِكَ لِلْقَابِضِ دَيْنًا عَلَى الْغَرِيمِ، وَيَكُونُ مَا عَلَى الْغَرِيمِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنْ الدَّيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ بَيْنَهُمَا، فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا خَمْسَمِائَةٍ فَجَاءَ الشَّرِيكُ فَأَخَذَ نِصْفَهَا كَانَ لِلْقَابِضِ مَا بَقِيَ لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، وَتَكُونُ الشَّرِكَةُ بَاقِيَةً فِي الدَّيْنِ كَمَا كَانَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ شَرِيكُهُ نِصْفَ الْمَقْبُوضِ انْتَقَضَ قَبْضُهُ فِي نِصْفِ مَا قَبَضَ وَبَقِيَ الْبَاقِي مِنْ دَيْنِهِ عَلَى حَالِهِ.

فَإِنْ أَخْرَجَهُ الْقَابِضُ عَنْ يَدِهِ بِأَنْ وَهَبَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ مَا قَبَضَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ مَا قَبَضَهُ مِنْ نَصِيبِهِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَبْرَأَ الْغَرِيمَ مِنْ حِصَّتِهِ، جَازَتْ الْبَرَاءَةُ، وَلَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ بَلْ أَتْلَفَ حِصَّتَهُ لَا غَيْرُ، فَلَا يَضْمَنُ فَإِنْ أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ اقْتَسَمَاهُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْغَرِيمِ، فَيَكُونُ الْمَقْبُوضُ بَيْنَهُمَا عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمَّا أَبْرَأَ الْغَرِيمَ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ بَقِيَ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَلِشَرِيكِهِ خَمْسُمِائَةٍ، فَيَضْرِبَانِ فِي قَدْرِ الْمَقْبُوضِ بِتِسْعَةِ أَسْهُمٍ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمَا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَقَعُ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا، فَإِنْ اقْتَسَمَا الْمَقْبُوضَ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ أَبْرَأَ أَحَدُهُمَا الْغَرِيمَ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَالْقِسْمَةُ مَاضِيَةٌ وَلَا يَنْقُضُ إبْرَاؤُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ شَيْئًا مِمَّا اقْتَسَمَاهُ، لِأَنَّهُمَا اقْتَسَمَا وَمِلْكُهُمَا سَوَاءٌ، فَزَوَالُ الْمُسَاوَاةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي الْقِسْمَةِ.

وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ أَحَدُهُمَا شَيْئًا وَلَكِنْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ ثَوْبًا مِنْ الْغَرِيمِ، فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ ثَمَنِ الثَّوْبِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الثَّوْبِ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى الثَّوْبَ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ لَا بِمَا لَهُ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ، لِأَنَّهُ كَمَا اشْتَرَى وَجَبَ ثَمَنُ الثَّوْبِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَهُ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ مِثْلُهُ، فَصَارَ مَا فِي ذِمَّتِهِ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَبَضَ نِصْفَ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَى الثَّوْبِ سَبِيلٌ، فَإِنْ اجْتَمَعَا جَمِيعًا عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الثَّوْبِ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ ثَمَنِهِ، فَإِذَا سَلَّمَ لَهُ نِصْفَهُ بِذَلِكَ وَرَضِيَ شَرِيكُهُ بِهِ؛ صَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ نِصْفَ الثَّوْبِ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ بِحِصَّتِهِ شَيْئًا وَلَكِنْ صَالَحَهُ مِنْ حَقِّهِ عَلَى ثَوْبٍ وَقَبَضَهُ، ثُمَّ طَالَبَهُ شَرِيكُهُ بِمَا قَبَضَ فَإِنَّ الْقَابِضَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ إلَيْهِ نِصْفَ الثَّوْبِ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مِثْلَ نِصْفِ حَقِّهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْخِيَارُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَابِضِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ لَمْ يُوجِبْ شَيْئًا عَلَى الْمَصَالِحِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ، وَالْإِبْرَاءُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ، إلَّا أَنَّهُ قَبَضَ ثَوْبًا عَنْ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ نِصْفَهُ إلَى الشَّرِيكِ، وَلَهُ أَنْ يَقُولَ: أَنَا أُعْطِيكَ نِصْفَ حَقِّكَ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَكَ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِلشَّرِيكِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا أَنْ يُسَلِّمَ لِلشَّرِيكِ مَا قَبَضَهُ وَيَرْجِعَ بِدَيْنِهِ عَلَى الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ: دَيْنِي قَدْ ثَبَتَ عَلَيْكَ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ، فَتَسْلِيمُكَ إلَى غَيْرِي لَا يُسْقِطُ مَا لِي فِي ذِمَّتِكَ، فَإِنْ سَلَّمَ لِلشَّرِيكِ مَا قَبَضَ، ثُمَّ نَوَى الَّذِي عَلَى الْغَرِيمِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الشَّرِيكِ وَيَكُونَ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ بَعْدَ مَا قَبَضَ مِنْ الدَّرَاهِمِ بِعَيْنِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْهَا، وَيُعْطِيَهُ مِثْلَهَا لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي الْأَصْلِ كَانَ عَنْ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ، وَإِنَّمَا سَلَّمَ بِهِ الشَّرِيكُ الْمَقْبُوضَ لِلْقَابِضِ لِيُسَلِّمَ لَهُ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ بَقِيَ حَقُّهُ فِي الْمَقْبُوضِ كَمَا كَانَ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى عَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ عَنْ عَيْنِهَا بِالتَّسْلِيمِ، حَيْثُ أَجَازَ تَمَلُّكَ الْقَابِضِ لَهَا فَسَقَطَ حَقُّهُ عَنْ عَيْنِهَا، وَإِنَّمَا تَجَدَّدَ لَهُ ضَمَانٌ آخَرُ بِتَوَاءِ مَالِهِ، فَثَبَتَ ذَلِكَ فِي ذِمَّةِ الْقَابِضِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ.

فَإِنْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَا تَوَلَّى هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ، وَأَمَّا فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ نَصِيبَهُ مِلْكُهُ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَلِهَذَا مَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ إسْقَاطًا بِالْإِبْرَاءِ، فَالتَّأْخِيرُ أَوْلَى لِأَنَّهُ دُونَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ تَأْخِيرَ نَصِيبِهِ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَأَنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ قِسْمَةُ الدَّيْنِ أَنَّهُ وُجِدَ أَثَرُ الْقِسْمَةِ وَهُوَ انْفِرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِنَصِيبِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ لِلْآخَرِ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>