الْمَطْلُوبِ عَبْدًا فَمَاتَ عِنْدَهُ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا لِقِيمَةِ الْعَبْدِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ فَهَلَكَ الْمَغْصُوبُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ وَالِاسْتِنَادِ.
وَلَوْ ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْ الْعَبْدِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهُ لَمْ يَرْجِعْ شَرِيكُهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا يُمْكِنُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِك الْمَضْمُونَ، فَلَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا بِخِلَافِ نَفْسِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ فَسَلَّمَ لَهُ مَا يُمْكِنُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ فَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ إذَا ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْغَرِيمِ عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ أَوْ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ كَمَا يَضْمَنُ فِي الْغَاصِبِ.
وَلَوْ ذَهَبَتْ عَيْنُهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَرَدَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا وَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ خَاصَّةً وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) شَرِكَةُ الْعُقُودِ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهَا أَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ فَاسِدَةً أَوْ صَحِيحَةً، أَمَّا الصَّحِيحَةُ، فَأَمَّا الشَّرِكَةُ بِالْأَمْوَالِ فَنُبَيِّنُ أَحْكَامَ الْعِنَانِ مِنْهَا وَالْمُفَاوَضَةِ وَمَا يَجُوزُ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ، وَمَا لَا يَجُوزُ، أَمَّا الْعِنَانُ فَلِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يَبِيعَ مَالَ الشَّرِكَةِ لِأَنَّهُمَا بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ بِبَيْعِ مَالِ الشَّرِكَةِ؛ وَلِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ فَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلَ صَاحِبِهِ بِالْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّ غَرَضَهُمَا مِنْ الشَّرِكَةِ الرِّبْحُ وَذَلِكَ بِالتِّجَارَةِ، وَمَا التِّجَارَةُ إلَّا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، فَكَانَ إقْدَامُهُمَا عَلَى الْعَقْدِ إذْنًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ دَلَالَةً، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مَالَ الشَّرِكَةِ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالْبَيْعِ بِمُقْتَضَى الشَّرِكَةِ وُجِدَ مُطْلَقًا وَلِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَنْعَقِدُ عَلَى عَادَةِ التُّجَّارِ، وَمِنْ عَادَتِهِمْ الْبَيْعُ نَقْدًا وَنَسِيئَةً وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ بِقَلِيلِ الثَّمَنِ وَكَثِيرِهِ لِمَا قُلْنَا إلَّا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَقْدِ وَهُوَ الِاسْتِرْبَاحُ لَا يَحْصُلُ بِهِ فَكَانَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْعَقْدِ دَلَالَةً، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ وَجَعَلَهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ.
وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا وَأَجَّلَ الْآخَرُ، لَمْ يَجُزْ تَأْجِيلُهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَلْ يَجُوزُ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ؟ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَخَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، هَذَا إذَا عَقَدَ أَحَدُهُمَا وَأَجَّلَ الْآخَرُ، فَأَمَّا إذَا عَقَدَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَجَّلَ الْعَاقِدُ، فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ وَعَاقِدٌ.
وَأَمَّا فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَيَجُوزُ تَأْجِيلُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَالْكَلَامُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، أَنَّهُ يَمْلِكُ تَأْخِيرَ الثَّمَنِ وَالْإِبْرَاءُ عَنْهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَمْلِكُ.
(وَوَجْهُ) الْبِنَاءِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعَاقِدَ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ وَكِيلٌ عَنْهُ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ إذَا أَخَّرَ يَضْمَنُ مِنْ مَالِهِ لِلْمُوَكِّلِ عِنْدَهُمَا، وَهُنَا لَا يَضْمَنُ الشَّرِيكُ الْعَاقِدُ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ الْعَاقِدَ يَمْلِكُ أَنْ يُقَايِلَ الْبَيْعَ ثُمَّ يَبِيعَهُ بِنَسِيئَةٍ، وَإِذَا لَمْ يُقَايِلْ وَأَخَّرَ الدَّيْنَ جَازَ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُقَايِلَ وَيَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ، فَإِذَا أَخَّرَ يَضْمَنُ، وَلَهُ يَشْتَرِي بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ؛ لِمَا قُلْنَا فِي الْبَيْعِ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ نَاضٌّ لِلشَّرِكَةِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فَاشْتَرَى بِالدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ شَيْئًا نَسِيئَةً وَكَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَاشْتَرَى بِذَلِكَ الْجِنْسِ شَيْئًا نَسِيئَةً فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ دَرَاهِمُ وَلَا دَنَانِيرُ، فَاشْتَرَى بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ شَيْئًا، كَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ خَاصَّةً دُونَ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا شِرَاءَهُ عَلَى الشَّرِكَةِ لَصَارَ مُسْتَدِينًا عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ، وَالشَّرِيكُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ بِذَلِكَ كَالْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَالُ الشَّرِكَةِ أَكْثَرَ مِمَّا رَضِيَ الشَّرِيكُ بِالْمُشَارَكَةِ فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ عُرُوضٌ فَاشْتَرَى بِالدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ نَسِيئَةً لِأَنَّ الْعُرُوضَ لَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ فَكَانَ الشِّرَاءُ بِالْأَثْمَانِ اسْتِدَانَةً بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِهَا وَفِي يَدِهِ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاسْتِدَانَةٍ وَحَكَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ دَنَانِيرُ، فَاشْتَرَى بِدَرَاهِمَ؛ جَازَ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ زُفَرَ يَعْتَبِرُ الْمُجَانَسَةَ فِي رَأْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ حَقِيقَةً حَتَّى أَبَى انْعِقَادَ الشَّرِكَةِ فِي الدَّرَاهِمِ مَعَ الدَّنَانِيرِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ حَقِيقَةً، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى بِجِنْسِ مَا فِي يَدِهِ صُورَةً بِالدَّرَاهِمِ وَعِنْدَهُ عُرُوضٌ، وَنَحْنُ نَعْتَبِرُ الْمُجَانَسَةَ مَعْنًى وَهُوَ الثَّمَنِيَّةُ، وَقَدْ تَجَانَسَا فِي الثَّمَنِيَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى بِجِنْسِ مَا فِي يَدِهِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَلَهُ أَنْ يُبْضِعَ مَالَ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَنْعَقِدُ عَلَى عَادَةِ التُّجَّارِ، وَالْإِبْضَاعُ مِنْ عَادَاتِهِمْ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ فِي الْبِضَاعَةِ بِعِوَضٍ، فَالْإِبْضَاعُ أَوْلَى، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْبِضْعِ فِي الْبِضَاعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَهُ أَنْ يُودِعَ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute