لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُخَاصِمَ فِيمَا أَدَانَهُ الْآخَرُ أَوْ بَاعَهُ وَالْخُصُومَةُ لِلَّذِي بَاعَ، وَعَلَيْهِ لَيْسَ عَلَى الَّذِي لَمْ يَلِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَلَا يُسْمَعُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فِيهِ وَلَا يُسْتَحْلَفُ وَهُوَ وَالْأَجْنَبِيُّ فِي هَذَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا شَيْئًا لَا يُطَالَبُ الْآخَرُ بِالثَّمَنِ، وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ قَبْضُ الْمَبِيعِ لِمَا قُلْنَا، وَلِلْعَاقِدِ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ فِيمَا اشْتَرَى وَبَاعَ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يُقَايِلَ فِيمَا بَاعَهُ الْآخَرُ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِيهَا مَعْنَى الشِّرَاءِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ عَلَى الشَّرِكَةِ، فَيَمْلِكُ الْإِقَالَةَ وَمَا بَاعَهُ أَحَدُهُمَا أَوْ اشْتَرَى فَظَهَرَ عَيْبٌ لَا يَرُدُّ الْآخَرُ بِالْعَيْبِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، وَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ وَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ فَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِعَيْبِهِ فِي مَتَاعٍ جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ: وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ ﵏ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ إذَا أَقَرَّ بِالْعَيْبِ فَرَدَّ الْقَاضِي الْمَبِيعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ حَتَّى يَثْبُتَ، بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْإِقْرَارِ بِالْعَيْبِ ثُبُوتُ حَقِّ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَلِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُقَايِلَ فِيمَا بَاعَهُ الْآخَرُ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِيهَا مَعْنَى الشِّرَاءِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ إلَى أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ وَيَقْبَلَ الْعَقْدَ، وَالْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا مَتَاعًا مِنْ الشَّرِكَةِ، فَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي جَازَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْمَبِيعِ بِالتَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءٍ مُبْتَدَإٍ بِالتَّعَاطِي، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بَاعَهُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَكَذَا الْقَبُولُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ، وَإِقَالَةُ أَحَدِهِمَا تَنْفُذُ عَلَى الْآخَرِ، وَكَذَا لَوْ حَطَّ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ أَخَّرَ ثَمَنَهُ لِأَجْلِ الْعَيْبِ، فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ يُوجِبُ الرَّدَّ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ وَالْحَطُّ أَنْفَعَ مِنْ الرَّدِّ، فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ حَطَّ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ أَوْ أَمْرٍ يَخَافُ مِنْهُ جَازَ فِي حِصَّتِهِ وَلَمْ يَجُزْ فِي حِصَّةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ تَبَرُّعٌ، وَالْإِنْسَانُ يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَبَرُّعٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَاهُ، وَمَا اشْتَرَى صَاحِبُهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَيَاهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ لِصَاحِبِهِ بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَمْلِكُ الْبَيْعَ مُرَابَحَةً وَهَلْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَالِ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ؟ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَكَذَا الْمُضَارِبُ وَالْمُبْضِعُ وَالْمُودَعُ لَهُمْ أَنْ يُسَافِرُوا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ أَنْ يُسَافِرَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهُ الْمُسَافَرَةَ إلَى مَوْضِعٍ لَا يَبِيتُ عَنْ مَنْزِلِهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ يُسَافِرُ أَيْضًا بِمَا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ وَلَا يُسَافِرُ بِمَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ.
(وَجْهُ) ظَاهِرِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ السَّفَرَ لَهُ خَطَرٌ، فَلَا يَجُوزُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ إلَّا بِإِذْنِهِ.
(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الَّتِي فَرَّقَ فِيهَا بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، أَنَّهُ إذَا كَانَ قَرِيبًا بِحَيْثُ لَا يَبِيتُ عَنْ مَنْزِلِهِ، كَانَ فِي حُكْمِ الْمِصْرِ.
(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الَّتِي فَرَّقَ فِيهَا بَيْنَ مَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، وَمَا لَيْسَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، أَنَّ مَا لَهُ حِمْلٌ إذَا احْتَاجَ شَرِيكُهُ إلَى رَدِّهِ، يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، وَلَا مُؤْنَةَ تَلْزَمُهُ فِيمَا لَا حِمْلَ لَهُ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِذْنَ بِالتَّصَرُّفِ يُثْبِتُ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ، وَأَنَّهَا صَدَرَتْ مُطْلَقَةً عَنْ الْمَكَانِ، وَالْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ إلَّا لِدَلِيلٍ، وَلِهَذَا جَازَ لِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ، عَلَى أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُودَعِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ كَالْمُودَعِ فِي مَالِ الْوَدِيعَةِ مَعَ مَا أَنَّ الشَّرِيكَ يَمْلِكُ أَمْرًا زَائِدًا لَا يَمْلِكُهُ الْمُودَعُ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ، فَلَمَّا مَلَكَ الْمُودَعُ السَّفَرَ؛ فَلَأَنْ يَمْلِكَهُ الشَّرِيكُ أَوْلَى وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْمُسَافَرَةَ بِالْمَالِ مُخَاطَرَةٌ بِهِ، مُسَلَّمٌ، إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا (فَأَمَّا) إذَا كَانَ آمِنًا، فَلَا خَطَرَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ ﷾ أَمَرَ بِالِابْتِغَاءِ فِي الْأَرْضِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، وَرَفَعَ الْجُنَاحَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ١٠] ، وَقَالَ عَزَّ شَأْنُهُ ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَمَا ذَكَرَ مِنْ لُزُومِ مُؤْنَةِ الرَّدِّ فِيمَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ غَرَامَةً فِي عَادَةِ التُّجَّارِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُؤْنَةٍ تَلْزَمُ تَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ، هَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: اعْمَلْ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِكَ، فَأَمَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمُسَافَرَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْمُشَارَكَةُ، وَخَلْطُ مَالِ الشَّرِكَةِ بِمَالٍ لَهُ خَاصَّةً، وَالرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الرَّأْيَ إلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الشَّرِكَةُ مُطْلَقًا، وَإِذَا سَافَرَ أَحَدُهُمَا بِالْمَالِ، وَقَدْ أُذِنَ لَهُ بِالسَّفَرِ، أَوْ قِيلَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، أَوْ عِنْدَ إطْلَاقِ الشَّرِكَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute