للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِرَائِهِ وَنَفَقَتِهِ وَطَعَامِهِ وَإِدَامِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، رَوَى ذَلِكَ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ، لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ نَصًّا.

(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ؛ لِأَنَّ عَادَةَ التُّجَّارِ الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَالْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ التَّرَاضِي بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُسَافِرُ بِمَالِ الشَّرِكَةِ، وَيَلْتَزِمُ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِرِبْحٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ ضَرَرٍ لِلْحَالِ لِنَفْعٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ فَكَانَ إقْدَامُهُمَا عَلَى عَقْدِ الشَّرِكَةِ دَلِيلًا عَلَى التَّرَاضِي بِالنَّفَقَةِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِ صَاحِبِهِ كَالْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ فَرْعُ جَمِيعِ الْمَالِ، وَهُوَ يَسْتَحِقُّ نِصْفَ الرِّبْحِ شَائِعًا كَالْمُضَارِبِ، فَتَكُونُ النَّفَقَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَالْمُضَارِبِ إذَا سَافَرَ بِمَالِ نَفْسِهِ وَبِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، كَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، كَذَا هَذَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فَإِنْ رَبِحَتْ حُسِبَتْ النَّفَقَةُ مِنْ الرِّبْحِ وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ كَانَتْ النَّفَقَةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ جُزْءٌ تَالِفٌ مِنْ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ رِبْحٌ فَهُوَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الْأَصْلِ كَالْمُضَارِبِ، وَمَا اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ، لَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَدِينًا عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ، وَصَاحِبُهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَهَبَ، وَلَا أَنْ يُقْرِضَ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَبَرَّعَ.

(أَمَّا) الْهِبَةُ فَلَا شَكَّ فِيهَا.

(وَأَمَّا) الْقَرْضُ؛ فَلِأَنَّهُ لَا عِوَضَ لَهُ فِي الْحَالِ، فَكَانَ تَبَرُّعًا فِي الْحَالِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ عَلَى شَرِيكِهِ، وَسَوَاءٌ قَالَ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، أَوْ لَمْ يَقُلْ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ تَفْوِيضُ الرَّأْيِ إلَيْهِ فِيمَا هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ مَالًا لَزِمَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ تَمَلُّكُ مَالٍ بِالْعَقْدِ، فَكَانَ كَالصَّرْفِ، فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ شَرِيكِهِ؛ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ الِاسْتِقْرَاضُ اسْتِعَارَةً فِي الْحَالِ، فَهُوَ يَمْلِكُ الِاسْتِعَارَةَ، وَإِنْ كَانَ تَمَلُّكًا يَمْلِكْهُ أَيْضًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا، وَلَا أَنْ يَعْتِقَ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَنْعَقِدُ عَلَى التِّجَارَةِ، وَالْكِتَابَةُ وَالْإِعْتَاقُ لَيْسَا مِنْ التِّجَارَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمَا الْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ، وَسَوَاءٌ قَالَ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، أَوْ لَا؛ لِمَا قُلْنَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَة وَهُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ، فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِإِذْنٍ نَصًّا، وَكَذَلِكَ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ، وَيَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَالْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.

وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لَمْ يَجُزْ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي إيجَابِ الْحَقِّ عَلَى شَرِيكِهِ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ فِي الْمُفَاوَضَةِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ لَا بِالْإِقْرَارِ، وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ لَا تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ وَلَوْ أَقَرَّ بِجَارِيَةٍ فِي يَدِهِ مِنْ تِجَارَتِهِمَا، أَنَّهَا لِرَجُلٍ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَجَازَ فِي نَصِيبِهِ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ يَنْفُذُ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ شَهَادَةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُفِيدُ الْعُمُومَ فِيمَا تَتَضَمَّنُهُ الشَّرِكَةُ، وَالشَّرِكَةُ لَمْ تَتَضَمَّنْ الْإِقْرَارَ، وَمَا ضَاعَ مِنْ مَالِ الشَّرِيكِ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ فِي ضَيَاعِ الْمَالِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الْمُفَاوَضَةُ: فَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى شَرِيكِهِ إذَا فَعَلَهُ، فَيَجُوزُ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَإِذَا فَعَلَهُ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ أَعَمُّ مِنْ الْعِنَانِ، فَلَمَّا جَازَ لِشَرِيكِ الْعِنَانِ فَجَوَازُهُ لِلْمُفَاوِضِ أَوْلَى، وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ شَرْطًا لِصِحَّةِ شَرِكَةِ الْعَنَانِ فَهُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أَعَمَّ مِنْ الْعِنَانِ، فَهُوَ يَقْتَضِي شُرُوطَ الْعِنَانِ، وَزِيَادَةً وَكَذَا مَا فَسَدَتْ بِهِ شَرِكَةُ الْعِنَانِ، تَفْسُدُ بِهِ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ يُفْسِدُهَا مَا لَا يُفْسِدُ الْعِنَانَ، لِاخْتِصَاصِهَا بِشَرَائِطَ لَمْ تُشْتَرَطْ فِي الْعِنَانِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَالْآنَ نُبَيِّنُ الْأَحْكَامَ الْمُخْتَصَّةَ بِالْمُفَاوَضَةِ الَّتِي تَجُوزُ لِلْمُفَاوِضِ، وَلَا تَجُوزُ لِلشَّرِيكِ شَرِكَةَ الْعِنَانِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: يَجُوزُ إقْرَارُ أَحَدِ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ، وَيُطَالِبُ الْمُقِرُّ لَهُ أَيَّهُمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ؛ فَيَلْزَمُ الْمُقِرَّ بِإِقْرَارِهِ، وَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ بِكَفَالَتِهِ، وَكَذَلِكَ مَا وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ دَيْنِ التِّجَارَةِ كَثَمَنِ الْمُشْتَرَى فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَقِيمَتِهِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَأُجْرَةِ الْمُسْتَأْجَرِ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْخِلَافِ فِي الْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَالْإِجَارَاتِ وَالِاسْتِهْلَاكَات، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ هَذَا بِدَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ شَرِيكَهُ بِحَقِّ الْكَفَالَةِ، أَمَّا دَيْنُ التِّجَارَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>