للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلِأَنَّهُ دَيْنٌ لَزِمَهُ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ عَقْدُ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ تِجَارَةٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ، فِيمَا يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ، وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الْبَيِّنَةَ تُسْمَعُ فِي ذَلِكَ عَلَى الشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَعْقِدْ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَزِمَهُ كَمَا لَزِمَ شَرِيكَهُ؛ لِأَنَّهُ كَفِيلٌ عَنْ شَرِيكِهِ، وَالْبَيِّنَةُ بِالدَّيْنِ تُسْمَعُ عَلَى الْكَفِيلِ كَمَا تُسْمَعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَكَذَا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ، وَكَذَا الْأُجْرَةُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تِجَارَةٌ.

(وَأَمَّا) الْغَصْبُ فَلِأَنَّ ضَمَانَهُ فِي مَعْنَى ضَمَانِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ تَقَرُّرَ الضَّمَانِ فِيهِ يُفِيدُ مِلْكَ الْمَضْمُونِ، فَكَانَ فِي مَعْنَى ضَمَانِ الْبَيْعِ، وَالْخِلَافُ فِي الْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَالْإِجَارَاتِ فِي مَعْنَى الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَدِّي عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْغَصْبِ، فَكَانَ ضَمَانُهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ.

(وَأَمَّا) أُرُوشُ الْجِنَايَاتِ وَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ، فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِضَمَانِ التِّجَارَةِ وَلَا فِي مَعْنَى ضَمَانِ التِّجَارَةِ أَيْضًا؛ لِانْعِدَامِ مَعْنَى مُعَاوَضَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ رَأْسًا.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ لَا يَلْزَمُ إلَّا فَاعِلَهُ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ فَأَشْبَهَ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ عَلَى بَنِي آدَمَ، وَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَضَمَانَ الْإِتْلَافِ فِي غَيْرِ بَنِي آدَمَ ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمَضْمُونَ عِوَضًا عَنْهُ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ عَلَى بَنِي آدَمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِهِ الْمَضْمُونَ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ أَصْلًا.

وَلَوْ كَفَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ إنْسَانٍ، فَإِنْ كَفَلَ عَنْهُ بِمَالٍ، يَلْزَمُ شَرِيكَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُ، وَإِنْ كَفَلَ بِنَفْسٍ لَا يُؤْخَذْ بِذَلِكَ شَرِيكُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ، فَلَا تَلْزَمُ صَاحِبَهُ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا تَبَرُّعٌ اخْتِصَاصُ جَوَازِهَا بِأَهْلِ التَّبَرُّعِ، حَتَّى لَا تَجُوزَ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، وَكَذَا تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ فِي حَالِ الْمَرَضِ وَالشَّرِكَةُ لَا تَنْعَقِدُ عَلَى التَّبَرُّعِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَفَالَةَ تَقَعُ تَبَرُّعًا بِابْتِدَائِهَا، ثُمَّ تَصِيرُ مُعَاوَضَةً بِانْتِهَائِهَا لِوُجُودِ التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ، حَتَّى يَرْجِعَ الْكَفِيلُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِمَا كَفَلَ، إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَقُلْنَا: لَا تَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ عَمَلًا بِالِابْتِدَاءِ، وَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ عَمَلًا بِالِانْتِهَاءِ، وَحُقُوقُ عَقْدٍ تَوَلَّاهُ أَحَدُهُمَا تَرْجِعُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا، حَتَّى لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، يُطَالَبُ غَيْرُ الْبَائِعِ مِنْهُمَا بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، كَمَا يُطَالَبُ الْبَائِعُ، وَيُطَالِبُ غَيْرُ الْبَائِعِ مِنْهُمَا الْمُشْتَرِيَ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ كَالْبَائِعِ.

وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا شَيْئًا يُطَالِبُ الْآخَرَ بِالثَّمَنِ، كَمَا يُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ، وَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ كَمَا لِلْمُشْتَرِي.

وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي مِنْهُمَا عَيْبًا بِالْمَبِيعِ، فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ كَمَا لِلْمُشْتَرِي، وَلَهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ كَالْمُشْتَرِي.

وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا سِلْعَةً مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ.

وَلَوْ أَنْكَرَ الْعَيْبَ، فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْبَائِعَ عَلَى الْبَتَاتِ، وَشَرِيكَهُ عَلَى الْعِلْمِ.

وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا نَفَذَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَشَرِيكِهِ.

وَلَوْ بَاعَا سِلْعَةً مِنْ شَرِكَتِهِمَا، ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا، فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النِّصْفِ الَّذِي بَاعَهُ عَلَى الْبَتَاتِ، وَعَلَى النِّصْفِ الَّذِي بَاعَهُ شَرِيكُهُ عَلَى الْعِلْمِ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْعِلْمِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَتَاتِ فِيمَا بَاعَ، وَيَسْقُطُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ، وَهُمَا جَمِيعًا فِي خَرَاجِ التِّجَارَةِ وَضَمَانِهَا سَوَاءٌ، فَفِعْلُ أَحَدِهِمَا فِيهَا كَفِعْلِهِمَا، وَقَوْلُ أَحَدِهِمَا كَقَوْلِهِمَا، وَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ شَخْصَانِ وَفِي أَحْكَامِ التِّجَارَةِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ وَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَ التِّجَارَةِ، أَوْ يَأْذَنَ لَهُ بِالتِّجَارَةِ لِأَنَّ تَصَرُّفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى مَالِ الشَّرِكَةِ عَامٌّ، كَتَصَرُّفِ الْأَبِ فِي مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ الْإِنْسَانُ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ فَالْمُفَاوِضُ فِيهِ أَجْوَزُ أَمْرًا، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ كِتَابَةَ عَبْدِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَإِذْنَهُ بِالتِّجَارَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ رَأْسًا، فَلَأَنْ يَمْلِكَ الْمُفَاوِضُ أَوْلَى.

وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ شَيْئًا مِنْ عَبِيدِ التِّجَارَةِ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّبَرُّعِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ، وَيَبْقَى الْبَدَلُ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ قَدْ يُسَلَّمُ لَهُ وَقَدْ لَا يُسَلَّمُ، فَكَانَ فِي مَعْنَى التَّبَرُّعِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ فِي مَالِ ابْنِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ يَتَعَلَّقَانِ بِرَقَبَتِهِ، وَتَنْقُصُ بِهِ قِيمَتُهُ، وَيَكُونُ وَلَدُهُ لِغَيْرِهِ، فَكَانَ التَّزْوِيجُ ضَرَرًا مَحْضًا، فَلَا يُمْلِكُهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَمَةَ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ نَفْعٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ وَالْوَلَدَ وَيَسْقُطُ عَنْهُ نَفَقَتُهَا، وَتَصَرُّفُ الْمُفَاوِضِ نَافِذٌ فِي كُلِّ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى مَالِ الشَّرِكَةِ، سَوَاءٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>