للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ أَوْ لَا، بِخِلَافِ الشَّرِيكِ شَرِكَةَ الْعِنَانِ فَإِنَّ نَفَاذَ تَصَرُّفِهِ يَخْتَصُّ بِالتِّجَارَةِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَتَزْوِيجُ الْأَمَةِ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَلَمْ يُوجَدْ، فَلَا يَنْفُذُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْفُذُ كَتَصَرُّفِ الْمُفَاوِضِ لِوُجُودِ النَّفْعِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً، لِمَا ذَكَرْنَا فِي الشَّرِيكِ شَرِكَةَ عِنَانٍ، أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ بِمَالٍ يَسْتَحِقُّهُ الْأَجِيرُ بِيَقِينٍ، فَالدَّفْعُ مُضَارَبَةً أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ مِنْهَا بِيَقِينٍ لِجَوَازِ أَنْ يَحْصُلَ، وَأَنْ لَا يَحْصُلَ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ شَرِكَةَ عِنَانٍ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْعِنَانِ أَخَصُّ مِنْ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ، فَكَانَتْ دُونَهَا، فَجَازَ أَنْ تَتَضَمَّنَهَا الْمُفَاوَضَةُ كَمَا تَتَضَمَّنُ الْعِنَانُ الْمُضَارَبَةَ، لِأَنَّهَا دُونَهَا فَتَتْبَعُهَا؛ وَلِأَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي مَالِ ابْنِهِ، فَيَمْلِكُ الْمُفَاوِضُ عَلَى شَرِيكِهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ لِلشَّرِيكِ الثَّالِثِ حَقًّا فِي مَالِ شَرِيكِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ، هَذَا إذَا شَارَكَ رَجُلًا شَرِكَةَ عِنَانٍ، فَأَمَّا إذَا فَاوَضَ جَازَ عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ، ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.

(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَقْدَ الْمُفَاوَضَةِ عَامٌّ فَيَصِيرُ تَصَرُّفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَتَصَرُّفِ الْآخَرِ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ شَرِكَةَ الْعِنَانِ مِثْلُ الْمُفَاوَضَةِ وَالشَّيْءُ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ هُوَ إيفَاءٌ، وَالِارْتِهَانَ اسْتِيفَاءٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْلِكُ الْإِيفَاءَ وَالِاسْتِيفَاءَ فِيمَا عَقَدَهُ صَاحِبُهُ، وَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَقْضِيَ مَا أَدَانَاهُ، أَوْ ادَّانَهُ صَاحِبُهُ، أَوْ مَا يُوجِبُ لَهُمَا مِنْ غَصْبٍ عَلَى رَجُلٍ أَوْ كَفَالَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلُ الْآخَرِ، فَيَمْلِكُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حُقُوقَهُ بِالْوَكَالَةِ، وَمَا وَجَبَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمٌ عَنْ صَاحِبِهِ يُطَالَبُ بِمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَيُسْتَحْلَفُ عَلَى عِلْمِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ ضَمَانِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ خَصْمٌ فِيمَا يَدَّعِي عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَيُسْتَحْلَفُ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَمَا اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا مِنْ طَعَامٍ لِأَهْلِهِ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَهُوَ لَهُ خَاصَّةً دُونَ صَاحِبِهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ، لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا أَنْ يَكُونَ لَهُ خَاصَّةً لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ، فَكَانَ مُسْتَثْنَى مِنْ الْمُفَاوَضَةِ فَاخْتَصَّ بِهِ الْمُشْتَرِي، لَكِنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ بِالثَّمَنِ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَإِنْ وَقَعَ الْمُشْتَرَى لِلَّذِي اشْتَرَاهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ بِبَدَلِ مَا يَجُوزُ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ الشَّرِيكَ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ ثَمَنِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً لِلْوَطْءِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ، وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى الِانْفِرَادِ بِمِلْكِهَا، فَصَارَتْ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، فَإِنَّ ثَمَّةَ ضَرُورَةً فَأُخْرِجَا عَنْ عُمُومِ الشَّرِكَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرَرَ فِي الْجَارِيَةِ فَبَقِيَتْ دَاخِلَةً تَحْتَ الْعُمُومِ، فَإِنْ اشْتَرَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَلَا لِشَرِيكِهِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الشَّرِكَةِ؛ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا، فَهَذِهِ جَارِيَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَطَأَهَا، فَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا جَارِيَةً لِيَطَأَهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، فَهِيَ لَهُ خَاصَّةً وَلَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ، أَنَّ الشَّرِيكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ أَوْ لَا يَرْجِعُ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْخِلَافَ فَقَالَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْوَطْءِ مُتَحَقِّقَةٌ فَتُلْحَقُ بِالْحَاجَةِ إلَى الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، فَإِذَا اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ خَاصَّةً وَقَعَتْ لَهُ خَاصَّةً، وَصَارَتْ مُسْتَثْنَاةً عَنْ عَقْدِ الشَّرِكَةِ، فَقَدْ نَقَدَ مَا لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِالنِّصْفِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ مَا يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ إذَا اشْتَرَاهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، أَنْ يَقَعَ الْمُشْتَرَى مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ إذْنٍ جَدِيدٍ مِنْ الشَّرِيكِ بِالشِّرَاءِ إلَّا فِيمَا فِيهِ ضَرُورَةٌ، وَهُوَ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْوَطْءِ فَوَقَعَ الْمُشْتَرَى عَلَى الشَّرِكَةِ بِالْإِذْنِ الثَّابِتِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ الْحَاجَةِ إلَى إذْنٍ آخَرَ، فَلَمْ يَكُنْ الْإِذْنُ الْجَدِيدُ مِنْ الشَّرِيكِ لِوُقُوعِ الْمُشْتَرَى عَلَى الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى الشَّرِكَةِ بِدُونِهِ، فَكَانَ لِلتَّمْلِيكِ كَأَنَّهُ قَالَ: اشْتَرِ جَارِيَةً بَيْنَنَا، وَقَدْ مَلَّكْتُكَ نَصِيبِي مِنْهَا فَكَانَتْ الْهِبَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالشِّرَاءِ، فَإِذَا اشْتَرَى وَقَبَضَ، صَحَّتْ الْهِبَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ قَبَضْتَ مَالِي عَلَى فُلَانٍ، فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَكَ، فَقَبَضَهُ، يَمْلِكُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>