وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ جَازَتْ دَعْوَتُهُ وَعَتَقَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ، وَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمِلْكِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ فَازْدَادَتْ قِيمَةُ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَظَهَرَ فِيهِ فَضْلٌ، جَازَتْ دَعْوَتُهُ وَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَكَانَ كَعَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَتَقَ عَلَى أَحَدِهِمَا نَصِيبُهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، بِأَنْ وَرِثَ نَصِيبَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى النَّسَبَ وَلَا مِلْكَ لَهُ فِي الْحَالِ، كَانَتْ دَعْوَتُهُ مَوْقُوفَةً عَلَى الْمِلْكِ فَإِذَا ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ فَقَدْ مَلَكَ جُزْءًا مِنْهُ فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ فِيهِ، كَمَنْ ادَّعَى النَّسَبَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَ إنَّهُ تَنْفُذُ دَعْوَتُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهُ ثُمَّ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ، إنَّهُ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ الْإِعْتَاقِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَتَوَقَّفُ، كَمَنْ أَعْتَقَ مِلْكَ غَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ، وَالْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ إذَا عَتَقَ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، لَا يَضْمَنُ لِلشَّرِيكِ شَيْئًا وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ، وَرَأْسُ الْمَالِ أَلْفٌ، فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا، فَادَّعَى الْوَلَدَ، لَا يَكُونُ وَلَدُهُ، وَلَا تَكُونُ الْأُمُّ أَمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ هَكَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ ﵀ أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا عَلِقَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَحُكْمُ الْمَسْأَلَةِ يَتَغَيَّرُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَغْرَمُ الْعُقْرَ مِائَةً، فَإِذَا اسْتَوْفَاهَا رَبُّ الْمَالِ مِنْهُ جَعَلَ الْمُسْتَوْفَى مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَيُنْتَقَصُ رَأْسُ الْمَالِ وَصَارَ تِسْعَمِائَةٍ، فَيَتَعَيَّنُ لِلْمُضَارِبِ مِلْكٌ فِيهِمَا جَمِيعًا، فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ، وَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ ضَمِنَ الْمُضَارِبُ مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ سَبْعَمِائَةٍ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَبُّ الْمَالِ تَمَامَ رَأْسِ مَالِهِ، ثُمَّ يَغْرَمُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَهُوَ تَمَامُ مَا بَقِيَ مِنْ الْأُمِّ، فَظَهَرَ أَنَّ الْوَلَدَ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا فَيَعْتِقُ نِصْفُ الْوَلَدِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، وَيَسْعَى فِي النِّصْفِ لِرَبِّ الْمَالِ قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ: إنَّ هَذَا الْجَوَابَ هُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ مَسْأَلَةً أُخْرَى طَعَنَ فِيهَا عِيسَى، وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ تُسَاوِي أَلْفًا، فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا، فَادَّعَاهُ الْمُضَارِبُ، لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَيَغْرَمُ الْعُقْرَ، فَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ حَتَّى صَارَتْ أَلْفَيْنِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ بَعْضَهُ لِظُهُورِ الرِّبْحِ فِي الْوَلَدِ بِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ، فَيَعْتِقُ رُبْعَهُ عَلَيْهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ، وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهَا، وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَالْجَارِيَةُ عَلَى حَالِهَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُضَارِبِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ رَبُّ الْمَالِ الْعُقْرَ وَالسِّعَايَةَ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَظْهَرُ لَهُ الرِّبْحُ فِي الْجَارِيَةِ حَتَّى يَصِلَ إلَى رَبِّ الْمَالِ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ، فَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهَا وَلَا صِحَّةَ لِلِاسْتِيلَادِ بِدُونِ الْمِلْكِ وَلَوْ لَمْ تَزِدْ قِيمَةُ الْوَلَدِ، وَلَكِنْ زَادَتْ قِيمَةُ الْأُمِّ فَصَارَتْ أَلْفَيْنِ، فَإِنَّ الْجَارِيَةَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ لِظُهُورِ الرِّبْحِ فِيهَا بِزِيَادَةِ قِيمَتِهَا، وَعَلَى الْمُضَارِبِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ قِيمَتِهَا لِرَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صُنْعٌ فِيهَا؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا ضَمَانُ تَمَلُّكٍ؛ لِهَذَا اسْتَوَى فِيهِ الْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ فَيَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ بِفِعْلِهِ، أَوْ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ مِنْ الْوَلَدِ شَيْئًا مَا لَمْ يَأْخُذْ رَبُّ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا جَمِيعًا فَصَارَتْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفَ دِرْهَمٍ، يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ بَعْضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ الْفَضْلُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ، وَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ تَمَامَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وَعُقْرَ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَظَهَرَ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ اسْتَوْفَى رَأْسَ مَالِهِ، وَاسْتَوْفَى مِنْ الرِّبْحِ أَلْفًا وَمِائَةً، وَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ رِبْحِ الْوَلَدِ مِقْدَارَ أَلْفٍ وَمِائَةٍ فَعَتَقَ الْوَلَدُ مِنْهُ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ، وَبَقِيَ مِنْ الْوَلَدِ مِقْدَارُ تِسْعِمِائَةٍ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، فَمَا أَصَابَ الْمُضَارِبَ عَتَقَ وَمَا أَصَابَ رَبَّ الْمَالِ سَعَى فِيهِ الْوَلَدُ قَالَ عِيسَى: هَذَا الْجَوَابُ خَطَأٌ، وَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ: يَضْمَنُ الْمُضَارِبُ مِنْ الْأُمِّ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ الْعُقْرِ، وَبَقِيَ الْوَلَدُ رِبْحًا بَيْنَهُمَا، يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِرَبِّ الْمَالِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ النِّصْفُ بِحِصَّةِ الْمُضَارِبِ قَالَ الْقُدُورِيُّ ﵀: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عِيسَى هُوَ جَوَابُ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا، إذَا لَمْ تَزِدْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، الزِّيَادَةُ تَجِبُ أَنْ يَقُولَ: إذَا لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْرَمَ الْمُضَارِبُ أَلْفًا وَمِائَةً، ثُمَّ يَسْتَوْفِي الْمُضَارِبُ مِنْ الْوَلَدِ مِائَةً، وَبَقِيَ تِسْعُمِائَةٍ بَيْنَهُمَا فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: الْقِيَاسُ مَا أَجَابَ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي لَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ فِيهَا، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَغْرَمُ بَعْدَ مَا غَرِمَ تَمَامَ رَأْسِ مَالِهِ، إلَّا نِصْفَ مَا بَقِيَ مِنْ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ نِصْفَ مَا بَقِيَ مِنْ الْأُمِّ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَغْرَمَ الْكُلَّ، وَاَلَّذِي أَجَابَ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَادَةِ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ؛ لِأَنَّ فِي غُرْمِ تَمَامِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ تَكْثِيرُ الْعِتْقِ، وَالْعِتْقُ وَالرِّقُّ إذَا اجْتَمَعَا غَلَبَتْ الْحُرِّيَّةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute