للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرِّقَّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إنَّمَا افْتَرَقَتْ الْمَسْأَلَتَانِ لِوَصْفِهِمَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْعِتْقِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَادَةِ زِيَادَةُ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى سَبَبُ الْعِتْقِ قَبْضُ رَبِّ الْمَالِ الْعُقْرَ، فَلَمَّا شَارَكَ رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارِبَ فِي سَبَبِ عِتْقِهِ أَنْ يَجْتَمِعَ رِبْحُهُ فِي الْجَارِيَةِ.

(وَأَمَّا) فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى لَمَّا كَانَ عِتْقُهُ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ، صَرَفَ نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ إلَى الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ قَدْ مَلَكَهَا وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا: إنَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا قَصَدَ تَكْثِيرَ الْعِتْقِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى إذَا لَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ لَا يَتَبَيَّنُ تَكْثِيرُ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ فِيمَا بَيْنَهُمَا مِقْدَارُ نِصْفِ الْعُشْرِ، فَلَا يَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ تَكْثِيرُ الْعِتْقِ، وَقَدْ قَالُوا فِي الْمُضَارِبِ: إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا، فَادَّعَاهُ رَبُّ الْمَالِ ثَبَتَ النَّسَبُ وَعَتَقَ الْوَلَدُ، وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَانْتَقَضَتْ الْمُضَارَبَةُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ صَادَفَتْ مِلْكَهُ، فَثَبَتَ النَّسَبُ وَاسْتَنَدَتْ الدَّعْوَةُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ، وَلَا قِيمَةَ لِلْوَلَدِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَا فَضْلَ فِي الْمَالِ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ، وَلَا الْعُقْرُ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدًا وَلَا أَمَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا الرَّحْمَةُ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ : يُزَوِّجُ الْأَمَةَ وَلَا يُزَوِّجُ الْعَبْدَ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَةً مِنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِنَفْسِهِ، فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى جَارِيَةِ الْمُضَارَبَةِ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الْمُضَارَبَةِ أَمَّا الْجَوَازُ فَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ فِيهَا مِلْكٌ، وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ، وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ النِّكَاحَ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ.

(وَأَمَّا) خُرُوجُ الْأَمَةِ عَنْ الْمُضَارَبَةِ، فَلِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً حَصَّنَهَا وَمَنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ، وَالْمُضَارَبَةُ تَقْتَضِي الْعَرْضَ عَلَى الْبَيْعِ وَإِبْرَازَهَا لِلْمُشْتَرِي، وَكَانَ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى التَّزْوِيجِ إخْرَاجًا إيَّاهَا عَنْ الْمُضَارَبَةِ، وَيَحْسِبُ مِقْدَارَ قِيمَتِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَهَا مِنْ الْمُضَارَبَةِ صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَرَدَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَةً مِنْ الْمُضَارَبَةِ لِعَبْدٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُضَارِبِ يَخْتَصُّ بِالتِّجَارَةِ، وَالتَّزْوِيجُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ.

وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَهُمْ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: إنْ كَانَ يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ، لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ.

وَلَوْ أَخَذَ الْمُضَارِبُ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا أَوْ رَطْبَةً مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يُنْفِقَ الْمَالَ، لَمْ يَجُزْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ حِينَ دَفَعَ إلَيْهِ: اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ مُعَامَلَةً عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ نَفْسِهِ، وَمَنَافِعُ نَفْسِ الْمُضَارِبِ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَجَرَ نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَا شَرَطَ مِنْ الْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِلْعَمَلِ، كَالْخَيْطِ فِي إجَارَةِ الْخَيَّاطِ وَالصِّبْغِ فِي الصِّبَاغَةِ.

وَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ تَفْوِيضَ الرَّأْيِ إلَيْهِ فِي الْمُضَارَبَةِ، وَالْمُضَارَبَةُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ، وَهَذَا عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ نَفْسِهِ، وَمَنَافِعُ نَفْسِ الْمُضَارِبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بَدَلَهَا رَبُّ الْمَالِ وَلَوْ أَخَذَ أَرْضًا مُزَارَعَةً عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا، فَمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ نِصْفَيْنِ، فَاشْتَرَى طَعَامًا بِبَعْضِ الْمُزَارَعَةِ فَزَرَعَهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا يَجُوزُ إنْ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حَقًّا لِرَبِّ الْأَرْضِ فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ شَارَكَهُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِشْرَاكَ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ مَا لَمْ يَقُلْ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فَإِذَا قَالَ: مَلَكَ كَذَا هَذَا.

وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: إنَّ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ وَالْبَقَرَ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَالْعَمَلُ عَلَى الْمُضَارِبِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بَلْ يَكُونُ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ نَفْسِهِ، فَكَانَ لَهُ بَدَلُ مَنَافِعِ نَفْسِهِ، فَلَا يَسْتَحِقُّهُ رَبُّ الْمَالِ، وَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ الْبَقَرَ عَلَى الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مَنْفَعَتِهِ، وَإِنَّمَا الْبَقَرُ آلَةُ الْعَمَلِ، وَالْآلَةُ تَبَعٌ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الْعَقْدُ وَلَوْ دَفَعَ الْمُضَارِبُ أَيْضًا بِغَيْرِ بَذْرٍ مُزَارَعَةً جَازَتْ، سَوَاءٌ قَالَ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ أَوْ لَمْ يَقُلْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ شَرِكَةً فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ، إنَّمَا أَجَرَ أَرْضَهُ، وَالْإِجَارَةُ دَاخِلَةٌ تَحْتَ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) الْقِسْمُ الَّذِي لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَعْمَلَهُ إذَا قِيلَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ، فَالْمُضَارَبَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْخَلْطُ، فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مُضَارَبَةً إلَى غَيْرِهِ، وَأَنْ يُشَارِكَ غَيْرَهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ شَرِكَةَ عِنَانٍ، وَأَنْ يَخْلِطَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ، إذَا قَالَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، إذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ أَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ مِثْلُ الْمُضَارَبَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>