الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ فِيهِ مُضَارَبَةً، فَإِنَّ نَفَقَتَهُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ حَتَّى يَدْخُلَهُ، فَإِذَا دَخَلَهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِصْرَهُ، أَوْ كَانَ لَهُ فِيهِ أَهْلٌ، سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ وَإِلَّا فَلَا حَتَّى لَوْ أَخَذَ الْمُضَارِبُ مَالًا بِالْكُوفَةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ الْكُوفَةَ مُسَافِرًا، فَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي الْمَالِ مَا دَامَ بِالْكُوفَةِ لِمَا قُلْنَا فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا مُسَافِرًا فَلَهُ النَّفَقَةُ حَتَّى يَأْتِيَ الْبَصْرَةَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِأَجْلِ الْمَالِ، وَلَا يُنْفِقُ مِنْ الْمَالِ مَا دَامَ بِالْبَصْرَةِ؛ لِأَنَّ الْبَصْرَةَ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ لَهُ، فَكَانَ إقَامَتُهُ فِيهَا لِأَجْلِ الْوَطَنِ لَا لِأَجْلِ الْمَالِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ الْمَالِ حَتَّى يَأْتِيَ الْكُوفَةَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ الْبَصْرَةِ لِأَجْلِ الْمَالِ.
وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ أَيْضًا مَا أَقَامَ بِالْكُوفَةِ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْبَصْرَةِ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ كَانَ وَطَنَ إقَامَةٍ، وَأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالسَّفَرِ، فَإِذَا عَادَ إلَيْهَا وَلَيْسَ لَهُ وَطَنٌ، فَكَانَ إقَامَتُهُ فِيهَا لِأَجْلِ الْمَالِ، فَكَانَ نَفَقَتُهُ فِيهِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ مِمَّنْ يُعِينُهُ عَلَى الْعَمَلِ، فَنَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، أَوْ أَجِيرًا يَخْدُمُهُ أَوْ يَخْدُمُ دَابَّتَهُ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ السَّفَرُ إلَّا بِهِمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ عَبِيدٌ لِرَبِّ الْمَالِ بَعَثَهُمْ لِيُعَاوِنُوهُ، فَلَا نَفَقَةَ لَهُمْ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَنَفَقَتُهُمْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ إعَانَةَ عَبْدِ رَبِّ الْمَالِ كَإِعَانَةِ رَبِّ الْمَالِ بِنَفْسِهِ.
وَرَبُّ الْمَالِ لَوْ أَعَانَ الْمُضَارِبَ بِنَفْسِهِ فِي الْعَمَلِ، لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ كَذَا عَبِيدُهُ، فَأَمَّا عَبْدُ الْمُضَارِبِ فَهُوَ كَالْمُضَارِبِ، وَالْمُضَارِبُ إذَا عَمِلَ بِنَفْسِهِ فِي الْمَالِ، أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ كَذَا عَبْدُهُ.
(وَأَمَّا) مَا فِيهِ النَّفَقَةُ فَالنَّفَقَةُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، مَا لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَكُونُ دَيْنًا فِي الْمُضَارَبَةِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ مِنْ الْمَالِ وَتَدْبِيرَهُ إلَيْهِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ، وَيَرْجِعَ بِهِ عَلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ، كَالْوَصِيِّ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الصَّغِيرِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى مَالِ الصَّغِيرِ لِمَا قُلْنَا، كَذَا هَذَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، لَكِنْ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْمَالِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَالُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِشَيْءٍ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمُضَارِبِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ بِمَا فِيهِ كَالدَّيْنِ يَسْقُطُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ، وَالزَّكَاةِ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ، وَحُكْمِ الْجِنَايَةِ يَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْعَبْدِ الْجَانِي.
(وَأَمَّا) تَفْسِيرُ النَّفَقَةِ الَّتِي فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَالْكِسْوَةُ وَالطَّعَامُ وَالْإِدَامُ، وَالشَّرَابُ وَأَجْرُ الْأَجِيرِ، وَفِرَاشٌ يَنَامُ عَلَيْهِ، وَعَلَفُ دَابَّتِهِ الَّتِي يَرْكَبُهَا فِي سَفَرِهِ، وَيَتَصَرَّفُ عَلَيْهَا فِي حَوَائِجِهِ، وَغَسْلِ ثِيَابِهِ وَدُهْنِ السِّرَاجِ وَالْحَطَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا فَكَانَ الْإِذْنُ ثَابِتًا مِنْ رَبِّ الْمَالِ دَلَالَةً.
(وَأَمَّا) ثَمَنُ الدَّوَاءِ وَالْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ، وَالتَّنَوُّرِ وَالْأَدْهَانِ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى التَّدَاوِي، وَصَلَاحِ الْبَدَنِ، فَفِي مَالِهِ خَاصَّةً لَا فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ ﵀ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي الدُّهْنِ خِلَافَ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ عِنْدَهُ، وَذَكَرَ فِي الْحِجَامَةِ وَالْإِطْلَاءِ بِالنُّورَةِ، وَالْخِضَابِ، قَوْلَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: يَكُونُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكُونُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ لِلْمُضَارِبِ فِي الْمَالِ لِدَلَالَةِ الْإِذْنِ الثَّابِتِ عَادَةً، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ غَيْرُ مُعْتَادَةٍ، هَذَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ، يَقْضِي بِالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، وَلَا يَقْضِي بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
(وَأَمَّا) الْفَاكِهَةُ فَالْمُعْتَادُ مِنْهَا يَجْرِي مَجْرَى الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ.
وَقَالَ بِشْرٌ فِي نَوَادِرِهِ: سَأَلْتُ أَبَا يُوسُفَ عَنْ اللَّحْمِ فَقَالَ: يَأْكُلُ كَمَا كَانَ يَأْكُلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَأْكُولِ الْمُعْتَادِ.
(وَأَمَّا) قَدْرُ النَّفَقَةِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِالْمَعْرُوفِ عِنْدَ التُّجَّارِ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ، فَإِنْ جَاوَزَ ذَلِكَ ضَمِنَ الْفَضْلَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ ثَابِتٌ بِالْعَادَةِ، فَيُعْتَبَرُ الْقَدْرُ الْمُعْتَادُ، وَسَوَاءٌ سَافَرَ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِمَتَاعٍ عَنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ فِي الْحَالَيْنِ لِأَجْلِ الْمَالِ، وَكَذَا لَوْ سَافَرَ فَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ شِرَاءُ مَتَاعٍ مِنْ حَيْثُ قَصَدَ، وَعَادَ بِالْمَالِ فَنَفَقَتُهُ مَا دَامَ مُسَافِرًا فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ التِّجَارَةِ عَلَى هَذَا، وَهُوَ أَنْ يَتَّفِقَ الشِّرَاءُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَمَكَانٍ دُونَ مَكَان وَسَوَاءٌ سَافَرَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَحْدَهُ، أَوْ بِمَالِهِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ لِرَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ، فَلَهُ النَّفَقَةُ غَيْرَ أَنَّهُ سَافَرَ بِمَالِهِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ، أَوْ بِمَالَيْنِ لِرَجُلَيْنِ، كَانَتْ النَّفَقَةُ مِنْ الْمَالَيْنِ بِالْحِصَصِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لِأَجْلِ الْمَالَيْنِ، فَتَكُونُ النَّفَقَةُ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَ أَخَذَ الْمَالَيْنِ مُضَارَبَةً لِرَجُلٍ، وَالْآخَرُ بِضَاعَةً لِرَجُلٍ آخَرَ، فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ لِأَجْلِهِ لَا لِأَجْلِ الْبِضَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْعَمَلِ بِهَا، إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ بِعَمَلِ الْبِضَاعَةِ، فَيُنْفِقُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْعَمَلِ فِي الْمُضَارَبَةِ وَلَيْسَ عَلَى رَبِّ الْبِضَاعَةِ شَيْءٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهُ فِي النَّفَقَةِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِأَخْذِ الْبِضَاعَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ كَالْمُودَعِ.
وَلَوْ خَلَطَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَالنَّفَقَةُ