للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْحِصَصِ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ لِأَجْلِ الْمَالَيْنِ.

(وَأَمَّا) مَا تُحْتَسَبُ النَّفَقَةُ مِنْهُ فَالنَّفَقَةُ تُحْتَسَبُ مِنْ الرِّبْحِ أَوَّلًا إنْ كَانَ فِي الْمَال رِبْحٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ جُزْءٌ هَالِكٌ مِنْ الْمَالِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْهَلَاكَ يَنْصَرِفُ إلَى الرِّبْحِ، وَلِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ خَاصَّةً، أَوْ فِي نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ لَازْدَادَ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ فِي الرِّبْحِ عَلَى نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ، فَإِذَا رَجَعَ الْمُضَارِبُ إلَى مِصْرِهِ فَمَا فَضَلَ عِنْدَهُ مِنْ الْكِسْوَةِ وَالطَّعَامِ رَدَّهُ إلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ بِالنَّفَقَةِ كَانَ لِأَجْلِ السَّفَرِ، فَإِذَا انْقَطَعَ السَّفَرُ لَمْ يَبْقَ الْإِذْنُ، فَيَجِبُ رَدُّ مَا بَقِيَ إلَى الْمُضَارَبَةِ.

وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ أَلْفُ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً، فَاشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفَيْنِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَالنَّفَقَةُ تَكُونُ اسْتِدَانَةً عَلَى الْمَالِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ إذَا أَنْفَقَ عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي أَمَرَهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي فَأَمَرَهُ الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ، فَمَا أَنْفَقَ فَهُوَ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ : وَهَذِهِ قِسْمَةٌ مِنْ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُضَارِبِ، وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ إذَا قَضَى بِالنَّفَقَةِ، وَإِنَّمَا صَارَتْ النَّفَقَةُ دَيْنًا بِأَمْرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى الْغَائِبِ فِي حِفْظِ مَالِهِ وَهَذَا مِنْ بَابِ الْحِفْظِ، فَيَمْلِكُ الْأَمْرَ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا صَارَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ قِسْمَةً لِوُجُودِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ، وَهُوَ التَّعْيِينُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِي لَمَّا أَلْزَمَ الْمُضَارِبَ النَّفَقَةَ لِأَجْلِ نَصِيبِهِ، فَقَدْ عَيَّنَ نَصِيبَهُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ تَعْيِينُ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ إلَّا بَعْدَ تَعْيِينِ رَأْسِ الْمَالِ، وَهَذَا مَعْنَى الْقِسْمَةِ.

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً، فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفَانِ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمُضَارِبِ، وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: النَّفَقَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ كَذَا حَقَّقَ الْقُدُورِيُّ الِاخْتِلَافَ.

(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُضَارِبَ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ مِلْكٌ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، فَكَانَتْ الْجَارِيَةُ عَلَى حُكْمِ رَبِّ الْمَالِ، فَكَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ، وَيَحْتَسِبُ بِهَا فِي رَأْسِ مَالِهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ يُقَالُ لِرَبِّ الْمَالِ: أَنْفِقْ إنْ شِئْتَ.

(وَلَهُمَا) أَنَّ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ مِنْ الْعَبْدِ عَلَى مِلْكِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّ إعْتَاقَهُ يَنْفُذُ مِنْهُ، فَلَا يَجُوزُ إلْزَامُ رَبِّ الْمَالِ الْإِنْفَاقَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، فَإِذَا قَضَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفَقَةِ نَصِيبِهِ، فَقَدْ تَعَيَّنَ الرِّبْحُ وَرَأْسُ الْمَالِ، فَيَكُونُ قِسْمَةً، لِوُجُودِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ، الْعَبْدُ الْآبِقُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ إذَا جَاءَ بِهِ رَجُلٌ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ، وَلَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ غَيْرُ الْعَبْدِ إنَّ الْجَعْلَ عَلَيْهِمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَلَى مِلْكِهِمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: الْجَعْلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يُحْسَبُ فِي رَأْسِ مَالِهِ إذْ هُوَ زِيَادَةٌ فِي رَأْسِ الْمَالِ، فَإِذَا بِيعَ اسْتَوْفَى رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَالْجَعْلَ، وَمَا بَقِيَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اُشْتُرِطَ مِنْ الرِّبْحِ.

قَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: إنَّ الْجَعْلَ لَا يُحْتَسَبُ بِهِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَيُحْتَسَبُ بِهِ فِيمَا بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ رِبْحٌ فَالْجَعْلُ مِنْهُ، وَإِلَّا فَهُوَ وَضِيعَةٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْحَقْ الْجَعْلُ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ لِأَنَّ الَّذِي يَلْحَقُ رَأْسَ الْمَالِ فِي الْمُرَابَحَةِ، مَا جَرَتْ عَادَةُ التُّجَّارِ بِإِلْحَاقِهِ بِهِ وَمَا جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِإِلْحَاقِ الْجَعْلِ، وَلِأَنَّهُ نَادِرٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ، فَلَا يَلْحَقُ بِالْعَادَةِ مَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ، وَإِنَّمَا اُحْتُسِبَ بِهِ فِيمَا بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ غُرْمٌ لَزِمَ لِأَجْلِ الْمَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُحْتَسَبَ بِالشَّيْءِ فِيمَا بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ، وَلَا يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ كَنَفَقَةِ الْمُضَارِبِ عَلَى نَفْسِهِ.

وَالثَّانِي، مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُضَارِبُ بِعَمَلِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ الرِّبْحُ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ فِي الْمُضَارَبَةِ رِبْحٌ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ بِالْقِسْمَةِ وَشَرْطُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ، فَلَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الرِّبْحِ قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ، حَتَّى لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، فَرَبِحَ أَلْفًا فَاقْتَسَمَا الرِّبْحَ، وَرَأْسُ الْمَالِ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ لَمْ يَقْبِضْهُ رَبُّ الْمَالِ فَهَلَكَتْ الْأَلْفُ الَّتِي فِي يَدِ الْمُضَارِبِ بَعْدَ قِسْمَتِهِمَا الرِّبْحَ، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ الْأُولَى لَمْ تَصِحَّ، وَمَا قَبَضَ رَبُّ الْمَالِ فَهُوَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَمَا قَبَضَهُ الْمُضَارِبُ دَيْنٌ عَلَيْهِ يَرُدُّهُ إلَى رَبِّ الْمَالِ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، وَلَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الرِّبْحِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ الْمَالِ.

وَالْأَصْلُ فِي اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ التَّاجِرِ، لَا يَسْلَمُ لَهُ رِبْحُهُ حَتَّى يَسْلَمَ لَهُ رَأْسُ مَالِهِ، كَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ لَا تَسْلَمُ لَهُ نَوَافِلُهُ حَتَّى تَسْلَمَ لَهُ عَزَائِمُهُ» فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ قِسْمَةَ الرِّبْحِ قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ لَا تَصِحُّ؛ وَلِأَنَّ الرِّبْحَ زِيَادَةٌ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الشَّيْءِ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ سَلَامَةِ الْأَصْلِ، وَلِأَنَّ الْمَالَ إذَا بَقِيَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ فَحُكْمُ الْمُضَارَبَةِ بِحَالِهَا، فَلَوْ صَحَّحْنَا قِسْمَةَ الرِّبْحِ لَثَبَتَتْ قِسْمَةُ الْفَرْعِ قَبْلَ الْأَصْلِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>