للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَتْ أَحَدَ عَشَرَ فَهَلَكَ سَقَطَ الدَّيْنُ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ، وَالزِّيَادَةُ تَهْلِكُ أَمَانَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا رِوَايَةَ عَنْهُمَا فِي هَذَا الْفَصْلِ.

وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْجَوْدَةَ وَلَا يَرَى الْجَعْلَ بِالدَّيْنِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا، وَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِتَعَذُّرِ التَّمْلِيكِ بِالدَّيْنِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِ الدَّيْنِ عَشَرَةً فَهَلَكَ، يَهْلِكُ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ بِالدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْوَزْنَ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ وَيَرْجِعُ بِحَقِّهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ وَلَا يُمْكِنُ الْجَعْلُ بِالدَّيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ ثَمَانِيَةً فَهَلَكَ، ذَهَبَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ بِالدَّيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ، وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ الْقِيمَةَ فِي الْحَالَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهَلَكَ، يَهْلِكُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ بِالدَّيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ بَعْضَ الْقُلْبِ وَهَلَكَ ذَلِكَ الْقَدْرُ بِالضَّمَانِ وَصَارَ شَرِيكًا، فَهَذَا شُيُوعٌ طَارِئٌ فَعَلَى جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُقْطَعُ الْقُلْبُ فَيَكُونُ الْبَاقِي مَعَ الْقَدْرِ الَّذِي غَرِمَ رَهْنًا؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ مُقَارِنًا كَانَ أَوْ طَارِئًا، وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ لَا حَاجَةَ إلَى الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ.

(وَأَمَّا) الرَّهْنُ الْفَاسِدُ فَلَا حُكْمَ لَهُ حَالَ قِيَامِ الْمَرْهُونِ، حَتَّى لَا يَثْبُتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْحَبْسِ وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ، فَإِنْ مَنَعَهُ حَتَّى هَلَكَ، يَضْمَنْ مِثْلَهُ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ، وَقِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِالْمَنْعِ، وَالْمَغْصُوبُ مَضْمُونٌ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَنْعُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ، ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إذَا لَمْ يَصِحَّ كَانَ الْقَبْضُ قَبْضَ أَمَانَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَأَشْبَهَ قَبْضَ الْوَدِيعَةِ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مَحَلٌّ لِلرَّهْنِ الصَّحِيحِ فَإِذَا رَهَنَهُ رَهْنًا فَاسِدًا فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلرَّهْنِ الصَّحِيحِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالرَّهْنِ الْفَاسِدِ، كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ كَانَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِ الْمَرْهُونِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بَلْ يَكُونُ أَمَانَةً، وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ يَكُونُ مَضْمُونًا.

(وَوَجْهُهُ) أَنَّ الْمَرْهُونَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ وَلَا فَسَادَ فِي الْقَبْضِ، إلَّا أَنَّ مِنْ شَرْطِ كَوْنِ الْمَقْبُوضِ مَضْمُونًا أَنْ يَكُونَ مَالًا مُطْلَقًا مُتَقَوِّمًا كَالْمَقْبُوضِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ، يَكُونُ مَضْمُونًا وَإِلَّا فَلَا، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ هَلَاكِ الْمَرْهُونِ

(وَأَمَّا) حُكْمُ اسْتِهْلَاكِهِ فَنَقُولُ: الْمَرْهُونُ لَا يَخْلُو (إمَّا) أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي آدَمَ كَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، (وَإِمَّا) إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ بَنِي آدَمَ مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ بَنِي آدَمَ فَاسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ، ضَمِنَ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ، وَمِثْلَهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ، كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَرْهُونًا وَالْمُرْتَهِنُ هُوَ الْخَصْمُ فِي تَضْمِينِهِ وَكَانَ الضَّمَانُ رَهْنًا؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَرْهُونِ ثُمَّ إنْ كَانَ الضَّمَانُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ حَالٌّ، اسْتَوْفَاهُ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَمْ يَحِلَّ، حَبَسَهُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ مَالًا مَمْلُوكًا مُتَقَوِّمًا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ فَيَضْمَنُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ وَكَانَ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الرَّاهِنُ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، يُطَالَبُ بِالدَّيْنِ لَا فَائِدَةَ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالضَّمَانِ، فَيُطَالَبُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ، أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ مِنْهُ بِالضَّمَانِ فَأَمْسَكَهُ إلَى أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، وَإِذَا كَانَ فِي الرَّهْنِ نَمَاءٌ كَاللَّبَنِ وَالْوَلَدِ فَاسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ الرَّاهِنُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ بِأَنْ كَانَ الرَّهْنُ شَاةً قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ، فَحُلِبَتْ أَوْ وَلَدَتْ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ.

(أَمَّا) وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْمُرْتَهِنِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِلْكُ الرَّاهِنِ وَإِتْلَافُ مَالٍ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ يُوجِبُ الضَّمَانَ.

(وَأَمَّا) وُجُوبُهُ عَلَى الرَّاهِنِ؛ فَلِأَنَّ الْمُتْلَفَ وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ لَكِنْ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقٌّ قَوِيٌّ فَيَلْحَقُ بِالْمِلْكِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَإِذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتْلِفِ، كَانَ الضَّمَانُ مَعَ الشَّاةِ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَرْهُونِ فَيَقُومُ مَقَامَهُ، فَإِنْ هَلَكَ الضَّمَانُ، لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ بِالدَّيْنِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَصْلِ، وَالْأَصْلُ لَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَذَا الْبَدَلُ وَإِنْ هَلَكَتْ الشَّاةُ، سَقَطَتْ حِصَّتُهَا مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهَا مَرْهُونَةٌ مَقْصُودَةٌ فَكَانَتْ مَضْمُونَةً بِالْهَلَاكِ، وَيَفْتَكُّ الرَّاهِنُ ضَمَانَ الزِّيَادَةِ بِقَدْرِهَا مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَصِيرُ مَقْصُودَةً بِالْفِكَاكِ فَيَصِيرُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الدَّيْنِ، هَذَا إذَا كَانَ الِاسْتِهْلَاكُ بِغَيْرِ إذْنٍ، فَأَمَّا إذَا كَانَ بِإِذْنٍ بِأَنْ قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: احْلِبْ الشَّاةَ، فَمَا حَلَبَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>