للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهُوَ حَلَالٌ لَكَ.

أَوْ قَالَ لَهُ: كُلْ هَذَا الْحِمْلَ فَحَلَبَ وَشَرِبَ وَأَكَلَ حَلَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فَيَصِحُّ إذْنُهُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ، حَتَّى لَوْ جَاءَ الرَّاهِنُ يَفْتَكُّ الشَّاةَ يَفْتَكُّهَا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْمُرْتَهِنِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ مُضَافٌ إلَى الرَّاهِنِ كَأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِنَفْسِهِ.

وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ وَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْمُتْلَفِ.

كَذَا هَذَا، وَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّهَا حَتَّى هَلَكَ، تَهْلِكُ بِحِصَّتِهَا مِنْ الدَّيْنِ، فَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَيْهَا وَعَلَى لَبَنِهَا أَوْ وَلَدِهَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهَا، فَمَا كَانَ حِصَّةَ الشَّاةِ يَسْقُطُ وَمَا كَانَ حِصَّةَ الزِّيَادَةِ يَبْقَى، وَيُخَاطَبُ الرَّاهِنُ بِقَضَائِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُرْتَهِنِ لَمَّا كَانَ مُضَافًا إلَى الرَّاهِنِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ فَعَلَ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ لِلزِّيَادَةِ حِصَّةٌ مِنْ الدَّيْنِ، فَيُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا خَمْسَةٌ، كَانَ فِيهَا ثُلُثُ الدَّيْنِ وَفِي الشَّاةِ ثُلُثَاهُ، فَإِذَا هَلَكَتْ الشَّاةُ، ذَهَبَ ثُلُثَا الدَّيْنِ وَبَقِيَ الثُّلُثُ وَعَلَى الرَّاهِنِ قَضَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ، فَالْجَوَابُ فِيهِ وَفِي الْمُرْتَهِنِ إذَا اسْتَهْلَكَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ سَوَاءٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الرَّاهِنُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ لَا لِحَقِّ نَفَسِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَقَدْ أَبْطَلَ الْمُرْتَهِنُ حَقَّ نَفَسِهِ بِالْإِذْنِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الضَّمَانَ، وَجُعِلَ كَأَنَّ الزِّيَادَةَ هَلَكَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَبَقِيَتْ الشَّاةُ رَهْنًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ مِنْ بَنِي آدَمَ فَجَنَى عَلَيْهِ، فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي جِنَايَاتِ الرَّهْنِ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: جِنَايَةُ غَيْرِ الرَّهْنِ عَلَى الرَّهْنِ، وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى غَيْرِ الرَّهْنِ، وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّهْنِ أَمَّا جِنَايَةُ غَيْرِ الرَّهْنِ عَلَى الرَّهْنِ: فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ وَإِمَّا أَنْ كَانَتْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ فِي مَعْنَى الْخَطَأِ، وَالْجَانِي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، فَإِنْ كَانَتْ فِي النَّفْسِ عَمْدًا وَالْجَانِي حُرٌّ، فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَقْتَصَّ إذَا اجْتَمَعَا عَلَى الِاقْتِصَاصِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَيْسَ لَهُ الِاقْتِصَاصُ وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ، كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ الِاخْتِلَافَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلِهِ وَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ.

(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ وَلِيٍّ، وَالْوَلِيُّ هُنَا غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْعَيْنِ وَالرَّقَبَةِ لِلرَّاهِنِ وَمِلْكَ الْيَدِ وَالْحَبْسِ لِلْمُرْتَهِنِ، فَكَانَ الْعَبْدُ مُضَافًا إلَى الرَّاهِنِ مِنْ وَجْهٍ وَإِلَى الْمُرْتَهِنِ مِنْ وَجْهٍ؛ فَصَارَ الْوَلِيُّ مُشْتَبَهًا مَجْهُولًا، وَجَهَالَةُ الْوَلِيِّ تَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ كَعَبْدِ الْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ عَمْدًا، أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْ قَاتِلِهِ وَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبُ؛ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا قُتِلَ عَمْدًا، أَنَّ لَهُمَا الِاقْتِصَاصَ إذَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْوِلَايَةَ لَهُمَا ثَابِتَةٌ عَلَى الشَّرِكَةِ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَكَانَ الْوَلِيُّ مَعْلُومًا فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ لَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمِلْكِ.

(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمِلْكَ لِلرَّاهِنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْحَبْسِ فَقَطْ، وَالْمِلْكُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فَكَانَ الْوَلِيُّ مَعْلُومًا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَتَوَقَّفَ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى رِضَا الْمُرْتَهِنِ، إلَّا أَنَّهُ تَوَقَّفَ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ، فَإِذَا رَضِيَ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ، بِخِلَافِ عَبْدِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ وَلِلْمُكَاتَبِ مِنْ وَجْهٍ، فَلَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ فِيهِ ثَابِتًا لِلْمَوْلَى مُطْلَقًا وَلَا لِلْمُكَاتَبِ مُطْلَقًا؛ فَأَشْبَهَ الْوَلِيَّ فَامْتَنَعَ الِاسْتِيفَاءُ وَإِذَا اُقْتُصَّ الْقَاتِلُ سَقَطَ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا كَانَ رَهْنًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ، وَقَدْ بَطَلَتْ مَالِيَّتُهُ بِالْقَتْلِ لَا إلَى بَدَلٍ، إذْ الْقِصَاصُ لَا يَصْلُحُ بَدَلًا عَنْ الْمَالِيَّةِ فَسَقَطَ الْقِصَاصُ كَمَا لَوْ هَلَكَ بِنَفْسِهِ، هَذَا إذَا اجْتَمَعَا عَلَى الْقِصَاصِ، (فَأَمَّا) إذَا اخْتَلَفَا لَا يُقْتَصُّ الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إثْبَاتِ الِاقْتِصَاصِ لِلْمُرْتَهِنِ لِعَدَمِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَلَا لِلرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ فِي اسْتِيفَائِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَعَلَى الْقَاتِلِ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَكَانَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا.

وَلَوْ اخْتَلَفَا فَأَبْطَلَ الْقَاضِي الْقِصَاصَ، ثُمَّ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ فَلَا قِصَاصَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ بَطَلَ بِالْفِكَاكِ لَكِنْ بَعْدَ مَا حَكَمَ الْقَاضِي بِبُطْلَانِ الْقِصَاصِ، فَلَا يَحْتَمِلُ الْعُودَ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ قِيمَتُهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ يَقْبِضُهَا الْمُرْتَهِنُ فَتَكُونُ رَهْنًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا حَتَّى لَا تُزَادَ دِيَتُهُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ، وَلَكِنَّهُ مَرْهُونٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ؛ فَجَازَ أَنْ تَقُومَ قِيمَتُهُ مَقَامَهُ وَتَكُونَ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الرَّهْنُ مُؤَجَّلًا، كَانَتْ فِي يَدِهِ إلَى حَلِّ الْأَجَلِ، وَإِذَا حَلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>