وَالْأَخْذِ حَقِيقَةً وَلَوْ حَفَرَ حَفِيرَةً فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ فَإِنْ كَانَ حَفَرَهَا لِاجْتِمَاعِ الْمَاءِ فِيهَا فَهُوَ لِلْآخِذِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاصْطِيَادِ وَإِنْ كَانَ حَفَرَهَا لِلِاصْطِيَادِ بِهَا فَهُوَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّبَكَةِ.
(وَأَمَّا) الْآجَامُ الْمَمْلُوكَةُ فِي حُكْمِ الْقَصَبِ وَالْحَطَبِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَطِبَ مِنْ أَجَمَةِ رَجُلٍ إلَّا بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّ الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ مَمْلُوكَانِ لِصَاحِبِ الْأَجَمَةِ يَنْبُتَانِ عَلَى مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِنْبَاتُ أَصْلًا، بِخِلَافِ الْكَلَإِ فِي الْمُرُوجِ الْمَمْلُوكَةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَجَمَةِ هِيَ الْقَصَبُ وَالْحَطَبُ فَكَانَ ذَلِكَ مَقْصُودًا مِنْ مِلْكِ الْأَجَمَةِ فَيُمْلَكُ بِمِلْكِهَا.
(فَأَمَّا) الْكَلَأُ فَغَيْرُ مَقْصُودٍ مِنْ الْمَرْجِ الْمَمْلُوكِ بَلْ الْمَقْصُودُ هُوَ الزِّرَاعَةُ.
وَلَوْ أَنَّ بَقَّارًا رَعَى بَقَرًا فِي أَجَمَةٍ مَمْلُوكَةٍ لِإِنْسَانٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا رَعَى وَأَفْسَدَ مِنْ الْقَصَبِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَجَمَةِ الْقَصَبُ وَالْحَطَبُ وَهُمَا مَمْلُوكَانِ لِصَاحِبِ الْأَجَمَةِ، وَإِتْلَافُ مَالٍ مَمْلُوكٍ لِصَاحِبِهِ يُوجِبُ الضَّمَانَ بِخِلَافِ الْكَلَإِ فِي الْمُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ عَلَى الْإِبَاحَةِ دُونَ الْمِلْكِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ الْقَصَبِ مُعَامَلَةً وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الْكَلَإِ مُعَامَلَةً، وَالْأَصْلُ الْمَحْفُوظُ فِيهِ أَنَّ الْقَصَبَ وَالْحَطَبَ يُمْلَكَانِ بِمِلْكِ الْأَرْضِ وَالْكَلَأُ لَا.
(وَأَمَّا) مَا لَا يَنْبُتُ عَادَةً إلَّا بِصُنْعِ الْعَبْدِ كَالْقَتَّةِ وَالْقَصِيلِ وَمَا بَقِيَ مِنْ حَصَادِ الزَّرْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ يَكُونُ مَمْلُوكًا وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْبَاتَ يُعَدُّ اكْتِسَابًا لَهُ فَيَمْلِكُهُ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَمْلُوكِ مَمْلُوكًا إلَّا أَنَّ الْإِبَاحَةَ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ تَثْبُتُ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ بِالشَّرْعِ وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِهَا فِي أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا.
(وَأَمَّا) أَرْضُ الْمَوَاتِ فَالْكَلَامُ فِيهَا فِي مَوَاضِعَ فِي تَفْسِيرِ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ، وَفِي بَيَانِ مَا يَمْلِكُ الْإِمَامُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَوَاتِ، وَفِي بَيَانِ مَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ فِي الْمَوَاتِ، وَمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَقُّ فِيهِ دُونَ الْمِلْكِ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِهِ إذَا مُلِكَ.
(أَمَّا) الْأَوَّلُ: فَالْأَرْضُ الْمَوَاتُ هِيَ أَرْضٌ خَارِجَ الْبَلَدِ لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَلَا حَقًّا لَهُ خَاصًّا فَلَا يَكُونُ دَاخِلَ الْبَلَدِ مَوَاتٌ أَصْلًا، وَكَذَا مَا كَانَ خَارِجَ الْبَلْدَةِ مِنْ مَرَافِقِهَا مُحْتَطَبًا بِهَا لِأَهْلِهَا أَوْ مَرْعًى لَهُمْ لَا يَكُونُ مَوَاتًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْإِمَامُ إقْطَاعَهَا؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَرَافِقِ أَهْلِ الْبَلْدَةِ فَهُوَ حَقُّ أَهْلِ الْبَلْدَةِ كَفِنَاءِ دَارِهِمْ وَفِي الْإِقْطَاعِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ.
وَكَذَلِكَ أَرْضُ الْمِلْحِ وَالْقَارِّ وَالنِّفْطِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا الْمُسْلِمُونَ لَا تَكُونُ أَرْضَ مَوَاتٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَهَا لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْإِقْطَاعِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا مِنْ الْعُمْرَانِ؟ شَرَطَهُ الطَّحَاوِيُّ ﵀ فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ فَلَيْسَ بِمَوَاتٍ.
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀ أَنَّ أَرْضَ الْمَوَاتِ بُقْعَةٌ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَدْنَاهَا مِنْ الْعَامِرِ رَجُلٌ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ الْعَامِرِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، حَتَّى إنَّ بَحْرًا مِنْ الْبَلْدَةِ جَزَرَ مَاؤُهُ أَوْ أَجَمَةً عَظِيمَةً لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لِأَحَدٍ تَكُونُ أَرْضَ مَوَاتٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَلَى قِيَاسِ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلِ الطَّحَاوِيِّ لَا تَكُونُ، وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوَاتَ اسْمٌ لِمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَلَا حَقًّا خَاصًّا لَمْ يَكُنْ مُنْتَفَعًا بِهِ كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْبَلْدَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا.
(وَأَمَّا) بَيَانُ مَا يَمْلِكُ الْإِمَامُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَوَاتِ: فَالْإِمَامُ يَمْلِكُ إقْطَاعَ الْمَوَاتِ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى عِمَارَةِ الْبِلَادِ، التَّصَرُّفُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ لِلْإِمَامِ كَكَرْيِ الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ وَإِصْلَاحِ قَنَاطِرِهَا وَنَحْوِهِ.
وَلَوْ أَقْطَعَ الْإِمَامُ الْمَوَاتَ إنْسَانًا فَتَرَكَهُ وَلَمْ يَعْمُرْهُ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فَإِذَا مَضَى ثَلَاثُ سِنِينَ فَقَدْ ظَلَّ مَوَاتًا كَمَا كَانَ وَلَهُ أَنْ يُقْطِعَهُ غَيْرَهُ لِقَوْلِهِ ﵊ «لَيْسَ لِمُحْتَجِرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ حَقٌّ» وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ سِنِينَ مُدَّةٌ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ فَإِذَا أَمْسَكَهَا ثَلَاثَ سِنِينَ وَلَمْ يَعْمُرْهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرِيدُ عِمَارَتَهَا بَلْ تَعْطِيلَهَا فَبَطَلَ حَقُّهُ وَتَعُودُ إلَى حَالِهَا مَوَاتًا، وَكَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهَا غَيْرَهُ.
(وَأَمَّا) بَيَانُ مَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ فِي الْمَوَاتِ وَمَا لَا يَثْبُتُ وَيَثْبُتُ بِهِ الْحَقُّ فَالْمِلْكُ فِي الْمَوَاتِ يَثْبُتُ بِالْإِحْيَاءِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْإِحْيَاءِ وَإِذْنُ الْإِمَامِ لَيْسَ بِشَرْطٍ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا قَوْلُهُ ﵊ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ فِيهِ حَقٌّ» أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِلْمُحْيِي مِنْ غَيْرِ شَرِيطَةِ إذْنِ الْإِمَامِ وَلِأَنَّهُ مُبَاحٌ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ فَيَمْلِكُهُ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ كَمَا لَوْ أَخَذَ صَيْدًا أَوْ حَشَّ كَلَأً، وَقَوْلُهُ ﵊ لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ فِيهِ