كَثِيَابِهِ الَّتِي عَلَيْهِ.
وَكَذَا إذَا وُجِدَ مَشْدُودًا عَلَى دَابَّةٍ فَالدَّابَّةُ لَهُ لِمَا قُلْنَا وَتَكُونُ النَّفَقَةُ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلنَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنْ فَعَلَ بِإِذْنِ الْقَاضِي لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ وَإِنْ فَعَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِيهِ وَمِنْهَا أَنَّ عَقْلَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ عَاقِلَتَهُ بَيْتُ الْمَالِ فَيَكُونُ عَقْلُهُ لَهُ لِقَوْلِهِ ﵊ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَمِنْهَا أَنَّ وَلَاءَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِمَا قُلْنَا
وَمِنْهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ إذَا بَلَغَ إلَّا إذَا عَقَلَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَلْزَمُ بِالْعَقْلِ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - لِمَا عُلِمَ فِي الْوَلَاءِ وَمِنْهَا أَنَّ وَلِيَّهُ السُّلْطَانُ، لَهُ الْوِلَايَةُ فِي مَالِهِ وَنَفْسِهِ لِقَوْلِهِ ﵊ «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَرُوِيَ عَنْهُ ﵊ أَنَّهُ قَالَ «اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ وَالسُّلْطَانُ نَائِبُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» فَيُزَوِّجُ اللَّقِيطَ وَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ سَبَبِهَا وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَالسَّلْطَنَةُ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْهِبَةَ لَهُ وَيُسَلِّمَهُ فِي صِنَاعَةٍ وَيُؤَاجِرَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ بَلْ مِنْ بَابِ إصْلَاحِ حَالِهِ وَإِيصَالِ الْمَنْفَعَةِ الْمَحْضَةِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَأَشْبَهَ إطْعَامَهُ وَغَسْلَ ثِيَابِهِ وَمِنْهَا أَنَّ نَسَبَهُ مِنْ الْمُدَّعِي يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ النَّسَبِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الدَّعْوَى، حَتَّى لَوْ ادَّعَى الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّهُ ابْنُهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَبَيِّنَتُهُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُسْمَعَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.
وَجْهُ الْقِيَاسِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَمْرًا جَائِزَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ فَلَا بُدَّ لِتَرْجِيحِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِنْ مُرَجِّحٍ وَذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ وَلَمْ تُوجَدْ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّهُ عَامِلٌ أَخْبَرَ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلِ الثُّبُوتِ وَكُلُّ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ وَالْمَخْبَرُ بِهِ مُحْتَمَلُ الثُّبُوتِ يَجِبُ تَصْدِيقُهُ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُخْبِرِ، هُوَ الْأَصْلُ إلَّا إذَا كَانَ فِي تَصْدِيقِهِ ضَرَرٌ بِالْغَيْرِ وَهَهُنَا فِي التَّصْدِيقِ وَإِثْبَاتِ النَّسَبِ نَظَرٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَانِبِ اللَّقِيطِ بِشَرَفِ النَّسَبِ وَالتَّرْبِيَةِ وَالصِّيَانَةِ عَنْ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَجَانِبِ الْمُدَّعِي بِوَلَدٍ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَتَصْدِيقُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَى مَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ غَيْرُهُ بَلْ يَنْتَفِعُ بِهِ لَا يَقِفُ عَلَى الْبَيِّنَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعِي مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا حَتَّى لَوْ ادَّعَى نَسَبَهُ ذِمِّيٌّ تَصِحُّ دَعْوَتُهُ حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لَكِنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى شَيْئَيْنِ يُتَصَوَّرُ انْفِصَالُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ نَسَبُ الْوَلَدِ وَكَوْنُهُ كَافِرًا وَيُمْكِنُ تَصْدِيقُهُ فِي أَحَدِهِمَا لِكَوْنِهِ نَفْعًا لِلَّقِيطِ وَهُوَ كَوْنُهُ ابْنًا لَهُ وَلَا يُمْكِنُ تَصْدِيقُهُ فِي الْآخَرِ لِكَوْنِهِ ضَرَرًا بِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ كَافِرًا فَيُصَدَّقُ فِيمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَيَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَضُرُّهُ فَلَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَبِإِسْلَامِ أُمِّهِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ كَافِرًا هَذَا إذَا أَقَرَّ الذِّمِّيُّ أَنَّهُ ابْنُهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَيَكُونُ عَلَى دِينِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي إقْرَارِهِ بِمَا يَتَضَمَّنُهُ إقْرَارُهُ وَهُوَ كَوْنُ الْوَلَدِ عَلَى دِينِهِ وَلَا تُهْمَةَ فِي الشَّهَادَةِ لِمَا مَرَّ.
وَلَوْ ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّهُ ابْنُهُ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لَكِنَّهُ يَكُونُ حُرًّا لِمَا ذَكَرْنَا فِي دَعْوَى الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا نَفْعُ اللَّقِيطِ وَالْآخَرُ مَضَرَّةٌ - وَهُوَ الرِّقُّ - فَيُصَدَّقُ فِيمَا يَنْفَعُهُ لَا فِيمَا يَضُرُّهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي دَعْوَى الذِّمِّيّ وَلَوْ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ أَنَّهُ ابْنُهُمَا وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلَّقِيطِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ عَبْدًا فَالْحُرُّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ، وَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ فَإِنْ وَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فِي جَسَدِهِ فَالْوَاصِفُ أَوْلَى بِهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀ يُرْجَعُ إلَى الْقَائِفِ فَيُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ.
وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّ الدَّعْوَتَيْنِ مَتَى تَعَارَضَتَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ مِنْهُمَا وَقَدْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِالْعَلَامَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَضِيَ الْعَلَامَةَ وَلَمْ يَصِفْ الْآخَرَ دَلَّ عَلَى أَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ سَابِقَةٌ فَلَا بُدَّ لِزَوَالِهَا مِنْ دَلِيلٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْعَلَامَةِ قَوْله تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ خَبَرًا عَنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ ﴿إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [يوسف: ٢٦] ﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [يوسف: ٢٧] ﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ [يوسف: ٢٨] حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْحُكْمِ بِالْعَلَامَةِ عَنْ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيْهِمْ، وَالْحَكِيمُ إذَا حَكَى عَنْ مُنْكَرٍ غَيَّرَهُ فَصَارَ الْحُكْمُ بِالْعَلَامَةِ شَرِيعَةً لَنَا مُبْتَدَأَةً، وَكَذَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يُمَيَّزُ ذَلِكَ بِالْعَلَامَةِ كَذَا هَهُنَا، وَإِنْ لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute