وَالْمَحِلُّ مُحْتَمِلٌ لِلْقِسْمَةِ فَيَقْتَسِمَانِ نِصْفَيْنِ.
وَلَوْ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا النِّصْفَ إلَى صَاحِبِهِ فَضَاعَتْ، فَمِنْ الْمُسَلَّمِ نِصْفُ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ: لَا يَضْمَنُ الْقَابِضُ شَيْئًا بِالْإِجْمَاعِ
وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَلِّمَ الْكُلَّ إلَى صَاحِبِهِ، وَإِذَا فَعَلَ فَضَاعَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا: أَنَّ الْمَالِكَ لَمَّا اسْتَحْفَظَهَا، فَقَدْ رَضِيَ بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى كُلِّ الْوَدِيعَةِ، كَمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْوَدِيعَةُ مُحْتَمِلَةً لِلْقِسْمَةِ: (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الْمَالِكَ اسْتَحْفَظَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي بَعْضِ الْوَدِيعَةِ لَا فِي كُلِّهَا، فَكَانَ رَاضِيًا بِثُبُوتِ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَعْضِ دُونَ الْكُلِّ، وَهَذَا لِمَا ذَكَرْنَا، أَنَّهُ لَمَّا اسْتَحْفَظَهَا جَمِيعًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ فِي حِفْظِهِمَا جَمِيعًا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِلِاسْتِحَالَةِ فَيُقْسَمُ لِيَكُونَ النِّصْفُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَالنِّصْفُ فِي يَدِ الْآخَرِ، فَإِذَا كَانَ الْمَحَلُّ مُحْتَمِلًا لِلْقِسْمَةِ؛ وَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا يَكُونُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَإِذَا فَعَلَ فَقَدْ خَالَفَهُ، فَدَخَلَ فِي ضَمَانِهِ، فَإِذَا ضَاعَ ضَمِنَ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَمِلًا لِلْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ تَعَذَّرَ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ فِي حِفْظِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، عَلَى التَّوْزِيعِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، فَكَانَ رَاضِيًا بِكَوْنِهِ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فِي زَمَانَيْنِ عَلَى التَّهَايُؤِ فَلَمْ يَصِرْ مُخَالِفًا بِالدَّفْعِ، فَهُوَ الْفَرْقُ.
وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا: الْمُرْتَهِنَانِ وَالْوَكِيلَانِ بِالشِّرَاءِ، إذَا كَانَ الْمَرْهُونُ وَالْمُشْتَرَى مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ، - وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ الْكَلَامُ فِيمَا فِيهِ تُحْفَظُ الْوَدِيعَةُ، فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ؛ مُطْلَقًا فَلَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِيمَا يَحْفَظُ فِيهِ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ دَارِهِ وَحَانُوتِهِ وَكِيسِهِ وَصُنْدُوقِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ حِفْظَهَا إلَّا فِيمَا يَحْفَظُ فِيهِ مَالَ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْفَظَ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ حِرْزَ غَيْرِهِ فِي يَدِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَلَا يَمْلِكُ الْحِفْظَ بِيَدِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِمَا فِي يَدِهِ أَيْضًا، إلَّا إذَا اسْتَأْجَرَ حِرْزًا لِنَفْسِهِ، فَلَهُ أَنْ يَحْفَظَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحِرْزَ فِي يَدِهِ فَمَا فِي الْحِرْزِ يَكُونُ فِي يَدِهِ أَيْضًا فَكَانَ حَافِظًا بِيَدِ نَفْسِهِ فَمَلَكَ ذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَحْفَظَ الْحَضَرَ وَالسَّفَرَ بِأَنْ يُسَافِرَ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ لِلْوَدِيعَةِ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، إنْ كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ؛ لَا يَمْلِكُ الْمُسَافَرَةَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀ لَا يَمْلِكُ كَيْفَ مَا كَانَ أَمَّا الْكَلَامُ مَعَ الشَّافِعِيِّ، ﵀ فَوَجْهُ قَوْلِهِ: أَنَّ الْمُسَافَرَةَ الْوَدِيعَةِ تَضْيِيعُ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَفَازَةَ مَضْيَعَةٌ، قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ أَفْضَلُ التَّحِيَّةِ - «الْمُسَافِرُ وَمَالُهُ عَلَى قَلْبٍ إلَّا مَا وَقَى اللَّهُ» فَكَانَ التَّحْوِيلُ إلَيْهَا تَضْيِيعًا فَلَا يَمْلِكُهُ الْمُودَعِ.
(وَلَنَا) أَنَّ الْأَمْرَ بِالْحِفْظِ صَدَرَ مُطْلَقًا عَنْ تَعْيِينِ الْمَكَانِ، فَلَا يَجُوزُ التَّعْيِينُ إلَّا بِدَلِيلٍ، قَوْلُهُ: الْمَفَازَةُ مَضْيَعَةٌ قُلْنَا: مَمْنُوعٌ أَوْ نَقُولُ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا أَمَّا إذَا كَانَ آمِنًا فَلَا، وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، حِينَ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْكَفَرَةِ، وَكَانَتْ الطَّرِيقُ مَخُوفَةً، وَنَحْنُ بِهِ نَقُولُ.
وَأَمَّا الْكَلَامُ مَعَ أَصْحَابِنَا ﵃ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا: أَنَّ فِي الْمُسَافَرَةِ بِمَالِهِ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ ضَرَرًا، بِالْمَالِكِ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَ الْمُودَعُ فِي السَّفَرِ، فَيَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِرْدَادِ مِنْ مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ، إلَّا بِحِمْلٍ وَمُؤْنَةٍ عَظِيمَةٍ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، وَلَا كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مَعَ الشَّافِعِيِّ ﵀: أَنَّ الْأَمْرَ بِالْحِفْظِ لَا يَتَعَرَّضُ لِمَكَانٍ دُونَ مَكَان، وَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ؛ قَوْلُهُمَا فِيهِ ضَرَرٌ، - قُلْنَا -: هَذَا النَّوْعُ مِنْ الضَّرَرِ لَيْسَ بِغَالِبٍ، فَلَا يَجِبُ دَفْعُهُ، عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ، فَهُوَ الَّذِي أَضَرَّ بِنَفْسِهِ حَيْثُ أَطْلَقَ الْأَمْرَ، وَمَنْ لَمْ يَنْظُرْ لِنَفْسِهِ لَا يُنْظَرُ لَهُ، هَذَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطٍ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا، فَأَمَّا إذَا شَرَطَ فِيهِ شَرْطًا نَظَرَ فِيهِ، إنْ كَانَ شَرْطًا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ وَيُفِيدُ؛ اُعْتُبِرَ، وَإِلَّا فَلَا، بَيَانُ ذَلِكَ؛ إذَا أَمَرَهُ بِالْحِفْظِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَهَا بِيَدِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا يَضَعُهَا؛ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ حَتَّى لَوْ وَضَعَهَا فِي بَيْتِهِ، أَوْ فِيمَا يُحْرِزُ فِيهِ مَالَهُ عَادَةً، فَضَاعَتْ؛ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إمْسَاكَ الْوَدِيعَةِ بِيَدِهِ، بِحَيْثُ لَا يَضَعُهَا - أَصْلًا غَيْرَ مَقْدُورٍ لَهُ عَادَةً، فَكَانَ شَرْطًا لَا يُمْكِنُ مُرَاعَاتُهُ فَيُلْغَى وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْحِفْظِ وَنَهَاهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى امْرَأَتِهِ، أَوْ عَبْدِهِ، أَوْ وَلَدِهِ الَّذِي هُوَ فِي عِيَالِهِ؛ أَوْ مَنْ يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ بِيَدِهِ عَادَةً، نَظَرَ فِيهِ إنْ كَانَ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ؛ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ كَانَ النَّهْيِ عَنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ نَهْيًا عَنْ الْحِفْظِ فَكَانَ سَفَهًا فَلَا يَصِحُّ نَهْيُهُ وَإِنْ كَانَ يَجِدُ بُدًّا مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ.
وَلَوْ دَفَعَ - يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَكَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ، أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الشَّرْطِ وَهُوَ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ الْأَيْدِيَ فِي الْحِفْظِ مُتَفَاوِتَةٌ، وَالْأَصْلُ فِي الشُّرُوطِ اعْتِبَارُهَا مَا أَمْكَنَ.
وَلَوْ قَالَ: لَا تُخْرِجْهَا مِنْ الْكُوفَةِ، فَخَرَجَ بِهَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ وَهُوَ مُفِيدٌ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute