بِيَقِينٍ بَلْ تَحْتَمِلُ الْمُعَارِضَةَ وَعَدَمَهَا فَلَا تَثْبُتُ الْمُعَارِضَةُ بِالشَّكِّ فَتَثْبُتُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ التَّارِيخِ بِلَا مُعَارِضٍ فَكَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ أَوْلَى.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ مَا مَرَّ أَيْضًا أَنَّ الْمِلْكَ الْمُوَقَّتَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ صَاحِبَ الْإِطْلَاقِ لَوْ أَرَّخَ لَكَانَ تَارِيخُهُ أَقْدَمَ يَثْبُتُ السَّبْقُ مَعَ الِاحْتِمَالِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ التَّارِيخِ فَبَقِيَ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ هَذَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَتَانِ مِنْ الْخَارِجَيْنِ عَلَى ذِي الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ.
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ فَنَقُولُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ ادَّعَيَا الْمِلْكَ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ مِنْ الْإِرْثِ أَوْ الشِّرَاءِ أَوْ النِّتَاجِ وَنَحْوِهَا وَإِمَّا أَنْ ادَّعَيَاهُ بِسَبَبَيْنِ فَإِنْ ادَّعَيَا الْمِلْكَ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ السَّبَبُ هُوَ الْإِرْثَ فَإِنْ لَمْ تُوَقَّتْ الْبَيِّنَتَانِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِمَا ذَكَرنَا أَنَّ الْمِلْكَ الْمَوْرُوثَ هُوَ مِلْكُ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنَّمَا الْوَارِثُ يَخْلُفُهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ فِي مِلْكِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُجَهَّزُ مِنْ التَّرِكَةِ وَيُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَيُرَدُّ الْوَارِثُ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ فَكَانَ الْمُوَرِّثَيْنِ حَضَرَا وَادَّعَيَا مِلْكًا مُطْلَقًا عَنْ الْوَقْتِ وَإِنْ وَقَّتَا وَقْتًا فَإِنْ كَانَ وَقْتُهُمَا وَاحِدًا فَكَذَلِكَ لِمَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْوَقْتَيْنِ أَسْبَقَ يُقْضَى لِمَنْ هُوَ أَسْبَقُ وَقْتًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ﵀ يُقْضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا عِبْرَةَ لِلتَّارِيخِ عِنْدَهُ فِي الْمِيرَاثِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَوْرُوثَ مِلْكُ الْمَيِّتِ وَالْوَارِثُ قَامَ مَقَامَهُ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ تَارِيخًا لَمِلْكِ الْوَارِثِ فَسَقَطَ التَّارِيخُ لِمِلْكِهِ وَالْتَحَقَ بِالْعَدَمِ فَبَقِيَ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عَنْ التَّارِيخِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا إنْ لَمْ يُؤَرِّخَا مِلْكَ الْمَيِّتَيْنِ فَكَذَلِكَ فَأَمَّا إذَا أَرَّخَا مِلْكَ الْمَيِّتَيْنِ فَيُقْضَى لِأَسْبَقِهِمَا تَارِيخًا ذَكَره فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَقُولَانِ بَلْ الْوَارِثُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يُظْهِرُ الْمِلْكَ لِلْمُوَرِّثِ لَا لِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ حَضَرَ الْمُوَرِّثَانِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً مُؤَرَّخَةً وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقُضِيَ لِأَسْبَقِهِمَا وَقْتًا لِإِثْبَاتِهِ الْمِلْك فِي وَقْتٍ لَا تُعَارِضُهُ فِيهِ بَيِّنَةُ الْآخَرِ كَذَا هَذَا وَلَوْ وُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تُوَقَّتْ الْأُخْرَى يُقْضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ التَّارِيخَ فِي بَابِ الْمِيرَاث سَاقِطٌ فَالْتَحَقَ بِالْعَدَمِ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْمُوَرِّثَيْنِ الْخَارِجَيْنِ حَضَرَا وَادَّعَيَا مِلْكًا فَأَرَّخَهُ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُؤَرِّخْهُ الْآخَرُ وَهُنَاكَ كَانَ الْمُدَّعَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَكَذَا هُنَا لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ رَجُلَيْنِ وَلَا عِبْرَةَ فِيهِ بِالتَّارِيخِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ هُوَ الشِّرَاءَ فَنَقُولُ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الدَّارُ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ وَإِمَّا إنْ ادَّعَيَاهُ مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَنَقَدَ الثَّمَنَ مُطْلَقًا عَنْ التَّارِيخِ وَذَكَر الْقَبْضَ يُقْضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عِنْدَنَا وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ فِي قَوْلٍ تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ وَفِي قَوْلٍ يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَيُقْضَى لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّهَاتُرِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ.
وَإِذَا قُضِيَ بِالدَّارِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ يَكُونُ لَهُمَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الدَّارِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ لِأَنَّ غَرَضَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الشِّرَاءِ الْوُصُولُ إلَى جَمِيعِ الْمَبِيعِ وَلَمْ يَحْصُلْ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ خَلَلًا فِي الرِّضَا فَلِذَلِكَ أُثْبِت لَهُمَا الْخِيَارُ فَإِنْ اخْتَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخْذَ نِصْفِ الدَّارِ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَصَّلْ لَهُ إلَّا نِصْفُ الْمَبِيعِ وَإِنْ اخْتَارَ الرَّدَّ رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَالْآخَرُ الْأَخْذَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي وَتَخْيِيرِهِ إيَّاهُمَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ لِأَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَوْجَبَ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِالتَّحْدِيدِ كَمَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ لِلشَّفِيعَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا الشُّفْعَةَ لَا يَكُونُ لِصَاحِبِهِ إلَّا نِصْفُ الدَّارِ فَأَمَّا إذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا تَرْكَ الْخُصُومَةِ قَبْلَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي فَلِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الْمَبِيعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ كُلُّ الْبَيْعِ وَالِامْتِنَاعُ بِحُكْمِ الْمُزَاحَمَةِ فَإِذَا انْقَطَعَتْ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ كَأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ إذَا سَلَّمَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ يُقْضَى لِصَاحِبِهِ بِالْكُلِّ وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الشِّرَاءَ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ سِوَى صَاحِبِ الْيَدِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ يُقْضَى بِالدَّارِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عِنْدَنَا وَثَبَتَ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْكَلَامُ فِي تَوَابِعِ الْخِيَارِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا غَيْرَ أَنَّ هُنَاكَ الشَّهَادَةَ الْقَائِمَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ وَهُوَ الْبَائِعُ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ ذَكَر الْمِلْكِ لَهُ وَالشَّهَادَةُ الْقَائِمَةُ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِذِكْرِ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي يَدِ الْبَائِعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute