وَالْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ فَوَقَعَتْ الْغُنْيَةُ عَنْ ذِكْرِهِ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي الْمَبِيعُ لَيْسَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذِكْرِهِ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ هَذَا إذَا لَمْ تُؤَرَّخْ الْبَيِّنَتَانِ فَأَمَّا إذَا أُرِّخَتَا فَإِنْ اسْتَوَى التَّارِيخَانِ فَكَذَلِكَ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِهِمَا بِالتَّعَارُضِ فَبَقِيَ دَعْوَى مُطْلَقِ الشِّرَاءِ.
وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَسْبَقَ تَارِيخًا كَانَتْ أَوْلَى بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا تُظْهِرُ الْمِلْكَ فِي وَقْتٍ لَا تُعَارِضُهَا فِيهِ الْأُخْرَى فَتَنْدَفِعُ بِهَا الْأُخْرَى وَلَوْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا وَأُطْلِقَتْ الْأُخْرَى فَالْمُؤَرَّخَةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُظْهِرُ الْمِلْكَ فِي زَمَانٍ مُعَيَّنٍ وَالْأُخْرَى لَا تَتَعَرَّضُ لِلْوَقْتِ فَتَحْتَمِلُ السَّبْقَ وَالتَّأْخِيرَ فَلَا تُعَارِضُهَا مَعَ الشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ وَلَوْ لَمْ تُؤَرَّخْ الْبَيِّنَتَانِ وَلَكِنْ ذَكَرَتْ إحْدَاهُمَا الْقَبْضَ فَهِيَ أَوْلَى لِأَنَّهَا لَمَّا أَثْبَتَتْ قَبْضَ الْمَبِيعِ جُعِلَ كَأَنَّ بَيْعَ صَاحِبِ الْقَبْضِ أَسَبْقُ فَيَكُونُ أَوْلَى وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَتْ إحْدَاهُمَا تَارِيخًا وَالْأُخْرَى قَبْضًا فَبَيِّنَةُ الْقَبْضِ أَوْلَى إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةُ التَّارِيخِ أَنَّ شِرَاءَهُ قَبْلَ شِرَاءِ الْآخَرِ فَيُقْضَى لَهُ وَيَرْجِعُ الْآخَرُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَكَذَا لَوْ أَرَّخَا تَارِيخًا وَاحِدًا وَذَكَرَتْ إحْدَاهُمَا الْقَبْضَ فَبَيِّنَةُ الْقَبْضِ أَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ وَقْتُ الْآخَرِ أَسْبَقَ هَذَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْ غَيْرُهُ فَأَمَّا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ سِوَى صَاحِبِ الْيَدِ مُطْلَقًا عَنْ الْوَقْتِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ يُقْضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ الْبَائِعَيْنِ فَقَامَا مَقَامَهُمَا فَصَارَ كَأَنَّ الْبَائِعَيْنِ الْخَارِجَيْنِ حَضَرَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَلَوْ كَانَ كَذَاك يُقْضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَذَا هَذَا وَيَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ وَالْكَلَامُ فِي الْخِيَارِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرنَا وَلَوْ وَقَّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ فَإِنْ كَانَ وَقْتُهُمَا وَاحِدًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَسْبَقَ مِنْ الْآخَرِ فَالْأَسْبَقُ تَارِيخًا أَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةِ الْأُصُولِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ أَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَهُ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ لَهُ ذَكَرَهُ الدَّارِيِّ وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ وَالْوَارِثُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْمَيِّتِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْمِيرَاثِ وَالشِّرَاءِ وَقَالَ لَا عِبْرَةَ بِالتَّارِيخِ فِي الشِّرَاءِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُؤَرِّخَا مِلْكَ الْبَائِعَيْنِ وَإِنْ وُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تُوَقَّتْ الْأُخْرَى يُقْضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا عِبْرَةَ لِلتَّارِيخِ أَيْضًا فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَوُقِّتَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا وَأُطْلِقَتْ الْأُخْرَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْوَقْتِ أَوْلَى وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُمَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ ادَّعَيَا تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ الْبَائِعَيْنِ فَتَارِيخُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ أَحَدِ الشراءين بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شِرَاءُ صَاحِبِهِ أَسْبَقَ مِنْ شِرَائِهِ فَلَا يُحْكَمُ بِسَبْقِ أَحَدِهِمَا مَعَ الِاحْتِمَالِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ لِأَنَّ هُنَاكَ اتَّفَقَا عَلَى تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ وَاحِدٍ فَتَارِيخُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ أَوْجَبَ تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْهُ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ حَتَّى يَقُومَ عَلَى التَّلَقِّي مِنْهُ دَلِيلٌ آخَرُ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ ثَالِثٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَإِنْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ فَصَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى سَوَاءٌ أَرَّخَ الْآخَرُ أَوْ لَمْ يُؤَرِّخ وَسَوَاءٌ ذَكَر شُهُودَ الْقَبْضِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ أَقْوَى لِثُبُوتِهِ حِسًّا وَمُشَاهَدَةً وَقَبْضُ الْآخَرِ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَكَانَ الْقَبْضُ الْمَحْسُوسُ أَوْلَى فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْقَبْضَ الثَّابِتَ بِالْحِسِّ أَوْلَى مِنْ الثَّابِتِ بِالْخَبَرِ وَمِنْ التَّارِيخِ أَيْضًا وَالْقَبْضُ الثَّابِتُ بِالْخَبَرِ أَوْلَى مِنْ التَّارِيخِ وَإِنْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ يُقْضَى لِلْخَارِجِ سَوَاءٌ وُقِّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ أَوْ لَا أَوْ وُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى إلَّا إذَا وُقِّتَتَا وَوَقْتُ صَاحِبِ الْيَدِ أَسْبَقُ لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ الْبَائِعَيْنِ فَقَامَا مَقَامَ الْبَائِعَيْنِ فَصَارَ كَأَنَّ الْبَائِعَيْنِ حَضَرَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ يُقْضَى لِلْخَارِجِ كَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَهُمَا بِالشِّرَاءِ مِنْ جِهَتِهِ وَلِأَحَدِهِمَا يَدٌ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ شِرَاءَ صَاحِبِ الْيَدِ أَسْبَقُ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ هُوَ النِّتَاجَ بِأَنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجَيْنِ أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتَجَتْ عِنْدَهُ فَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ يُقْضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ الْحُجَّتَيْنِ وَتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا بِإِظْهَارِ الْمِلْكِ فِي كُلِّ الْمَحَلِّ فَلْيُعْمَلْ بِهِمَا بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُوَقَّتٍ.
فَإِنْ اتَّفَقَ الْوَقْتَانِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَا يُحَكَّمُ سِنُّ الدَّابَّةِ إنْ عُلِمَ وَإِنْ أُشْكِلَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْضَى لِأَسْبَقِهِمَا وَقْتًا وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بَيْنَهُمَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ السِّنَّ إذَا أُشْكِلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِوَقْتِ هَذَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِوَقْتِ ذَاكَ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْوَقْتِ وَصَارَ كَأَنَّهُمَا سَكَتَا عَنْ الْوَقْتِ أَصْلًا وَجْهُ قَوْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute