للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلَّ الدَّارِ وَالْآخَرُ لَا يُنَازِعُهُ إلَّا فِي النِّصْفِ فَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ خَالِيًا عَنْ الْمُنَازَعَةِ فَيُسَلَّمُ لِمُدَّعِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ يَدَّعِي شَيْئًا لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَمَنْ ادَّعَى شَيْئًا لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ غَيْرُهُ يُسَلَّمُ لَهُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ اسْتَوَتْ فِيهِ مُنَازَعَتُهُمَا فَيَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ أَرْبَاعًا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدَّارِ لِمُدَّعِي الْكُلِّ وَرُبْعُهَا لِمُدَّعِي النِّصْفِ وَلَمَّا كَانَتْ الْقِسْمَةُ عِنْدَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْمُضَارَبَةِ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى مَبْلَغِ السِّهَامِ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ بِسَهْمِهِ فَهُنَا أَحَدُهُمَا يَدَّعِي كُلَّ الدَّارِ وَالْآخَرُ يَدَّعِي نِصْفَهَا فَيُجْعَلُ أَخَسُّهُمَا سَهْمًا فَجُعِلَ نِصْفُ الدَّارِ بَيْنَهُمَا.

وَإِذَا جُعِلَ نِصْفُ الدَّارِ بَيْنَهُمَا صَارَ الْكُلُّ سَهْمَيْنِ فَمُدَّعِي الْكُلِّ يَدَّعِي سَهْمَيْنِ وَمُدَّعِي النِّصْفِ يَدَّعِي سَهْمًا وَاحِدًا فَيُعْطَى هَذَا سَهْمًا وَذَاكَ سَهْمَيْنِ فَكَانَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهَا لِمُدَّعِي الْكُلِّ وَثُلُثُهَا لِمُدَّعِي النِّصْفِ وَالصَّحِيحُ قِسْمَةُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْقِسْمَةِ لِضَرُورَةِ الدَّعْوَى وَالْمُنَازَعَةِ وَوُقُوعِ التَّعَارُضِ فِي الْحُجَّةِ وَلَا مُنَازَعَةَ لِمُدَّعِي الْكُلِّ إلَّا فِي النِّصْفِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّعَارُضُ إلَّا فِيهِ فَيُسَلَّمُ لَهُ مَا وَرَاءَهُ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ وَخُلُوّهَا عَنْ الْمُعَارِضِ فَكَانَ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَمَلًا بِالدَّلِيلِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ ثَالِثٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهمَا فَبَيِّنَةُ مُدَّعِي الْكُلِّ أَوْلَى لِأَنَّهُ خَارِجٌ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَى صَاحِبِهِ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدِهِ وَمُدَّعِي النِّصْفِ لَا يَدَّعِي شَيْئًا هُوَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي إلَّا النِّصْفَ وَالنِّصْفُ فِي يَدِهِ فَكَانَ مُدَّعِي الْكُلِّ خَارِجًا وَمُدَّعِي النِّصْفِ صَاحِبَ يَدٍ فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى فَيُقْضَى لَهُ بِالنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَيُتْرَكُ النِّصْفُ الَّذِي فِي يَدِهِ عَلَى حَالِهِ هَذَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجَانِ شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ فَأَنْكَرَ الَّذِي فِي يَده فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ لَمْ يُقِمْ لَهُمَا بَيِّنَةً وَطَلَبَا بِيَمِينِ الْمُنْكِرِ يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ نَكَل لَهُمَا جَمِيعًا يُقْضَى لَهُمَا بِالنُّكُولِ لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا فَإِنْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا وَنَكَل لِلْآخَرِ يُقْضَى لِلَّذِي نَكَل لِوُجُودِ الْحُجَّة فِي حَقِّهِ وَإِنْ حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُتْرَك الْمُدَّعَى فِي يَدِهِ قَضَاءَ تَرْكٍ لَا قَضَاءَ اسْتِحْقَاقٍ حَتَّى لَوْ قَامَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُمَا وَيُقْضَى لَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَكَذَا إذَا أَقَامَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ مَا قُضِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ.

(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ بِالتَّرْكِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ حَقِيقَةً فَتُسْمَعُ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ (فَأَمَّا) صَاحِبُ الْيَدِ فَقَدْ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ بَعْدَ مَا قُضِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي النِّصْفِ وَالْبَيِّنَةُ مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ إلَّا إذَا ادَّعَى التَّلَقِّيَ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ ادَّعَى النِّتَاجَ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى بَائِعُ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ أَوْ بَائِعُ بَائِعِهِ هَكَذَا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ عَلَى الْبَاعَةِ كُلِّهِمْ فِي حَقِّ بُطْلَانِ الدَّعْوَى إنْ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً عَلَيْهِمْ فِي حَقِّ وِلَايَةِ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ إلَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي لِهَذَا الْمُشْتَرِي بِالرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ فَيَرْجِعُ هَذَا الْبَائِعُ عَلَى بَائِعِهِ أَيْضًا هَكَذَا فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْحُرِّيَّةِ قَضَاءٌ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ فِي حَقِّ بُطْلَانِ الدَّعْوَى وَثُبُوتِ وِلَايَةِ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَاعَةِ (وَوَجْهُ) الْفَرْقِ بَيْنَ الْمِلْكِ وَالْعِتْقِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرنَا مِنْ قَبْلِ هَذَا إذَا أَنْكَرَ الَّذِي فِي يَدِهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا (فَنَقُولُ) هَذَا لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ كَانَ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَإِمَّا أَنْ كَانَ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ أَقَرَّ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ جَازَ إقْرَارُهُ وَدَفَعَ إلَى الْمُقِرِّ لَهُ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ فِي يَدِهِ وَمِلْكِهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِالْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ تَضَمُّن إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْبَيِّنَةُ فَكَانَ إقْرَارًا عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَى الْمَقَرِّ لَهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ صَحِيحٌ وَكَذَا الْبَيِّنَةُ قَدْ لَا تَتَّصِلُ بِهَا التَّزْكِيَةُ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَى الْمَقَرِّ لَهُ فِي الْحَالِ فَإِذَا زُكِّيَتْ الْبَيِّنَتَانِ يُقْضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُدَّعَى كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَظَهَرَ أَنَّ إقْرَارَهُ كَانَ إبْطَالًا لِحَقِّ الْغَيْرِ فَلَمْ يَصِحَّ فَالْتَحَقَ بِالْعَدَمِ.

وَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَبَعْدَ التَّزْكِيَةِ يُقْضَى بَيْنَهُمَا لِمَا قُلْنَا إنَّ إقْرَارَهُ لَمْ يَصِحَّ فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى مِنْ الْخَارِجِ عَلَى ذِي الْيَدِ أَوْ مِنْ الْخَارِجَيْنِ عَلَى ذِي الْيَدِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ صَاحِبَيْ الْيَدِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِأَنْ كَانَ الْمُدَّعَى فِي أَيْدِيهمَا فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِالنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَالنِّصْفُ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ تُرِكَ فِي يَدِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَضَاءِ التَّرْكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>