للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَمْلُوكِ بِاخْتِيَارِهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ وِلَايَةُ الْجَبْرِ عَلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا لِأَحَدٍ وِلَايَةُ الْمَنْعِ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِهِ إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَيُمْنَعُ عَنْ التَّصَرُّفِ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْحَقِّ وَغَيْرُ الْمَالِكِ لَا يَكُونُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ وَرِضَاهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْحَقِّ الثَّابِتِ فِي الْمَحِلِّ عَرَفَ هَذَا فَنَقُولُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ أَيَّ تَصَرُّفٍ شَاءَ سَوَاءٌ كَانَ تَصَرُّفًا يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إلَى غَيْرِهِ أَوْ لَا يَتَعَدَّى فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِي مِلْكِهِ مِرْحَاضًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ رَحًى أَوْ تَنُّورًا وَلَهُ أَنْ يُقْعِدَ فِي بِنَائِهِ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا وَلَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِي مِلْكِهِ بِئْرًا أَوْ بَالُوعَةً أَوْ دِيمَاسًا وَإِنْ كَانَ يُهِنَّ مِنْ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَيَتَأَذَّى بِهِ جَارُهُ.

وَلَيْسَ لِجَارِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ حَتَّى لَوْ طَلَب جَارُهُ تَحْوِيلَ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُطْلَقٌ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْأَصْلِ وَالْمَنْعُ مِنْهُ لِعَارِضِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ التَّعَلُّقُ لَا يَمْنَعُ إلَّا أَنَّ الِامْتِنَاعَ عَمَّا يُؤْذِي الْجَارَ دَيَّانَةً وَاجِبٌ لِلْحَدِيثِ قَالَ «الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» وَلَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى وَهَنَ الْبِنَاءُ وَسَقَطَ حَائِطُ الْجَارِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ مِنْهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَعَلَى هَذَا سُفْلٌ لِرَجُلٍ وَعَلَيْهِ عُلُوٌّ لِغَيْرِهِ انْهَدَمَا لَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُ السُّفْلِ عَلَى بِنَاءِ السُّفْلِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْإِنْسَانُ لَا يُجْبَرُ عَلَى عِمَارَةِ مِلْكِ نَفْسِهِ وَلَكِنْ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ إنْ شِئْت فَابْن السُّفْلَ مِنْ مَالِ نَفْسِك وَضَعَ عَلَيْهِ عُلُوَّك ثُمَّ امْنَعْ صَاحِبَ السُّفْلِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالسُّفْلِ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْك قِيمَةَ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ.

وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَكِنَّ فِيهِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِمِلْكِ نَفْسِهِ إلَّا بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَصَارَ مُطْلَقًا لَهُ شَرْعًا وَلَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ مِلْكُهُ لِحُصُولِهِ بِإِذْنِ الشَّرْعِ وَإِطْلَاقِهِ فَلَهُ أَنْ لَا يُمَكِّنَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ إلَّا بِبَدَلٍ يَعْدِلُهُ وَهُوَ الْقِيمَةُ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ وَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِالْعُلُوِّ إلَّا بِبِنَاءِ السُّفْلِ وَلَا ضَرَرَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فِي بِنَائِهِ بَلْ فِيهِ نَفْعٌ صَارَ مَأْذُونًا بِالْإِنْفَاقِ مِنْ قِبَلِهِ دَلَالَةً فَكَانَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِمَا أَنْفَقَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكِ وَالدُّولَابِ الْمُشْتَرَكِ وَالْحَمَّامِ الْمُشْتَرَكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا خَرِبَتْ فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْعِمَارَةِ أَنَّهُ يُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَى الْعِمَارَةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَاسِطَةِ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَالتَّرْكَ لِذَلِكَ تَعْطِيلُ الْمِلْكِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِهِمَا فَكَانَ الَّذِي أَبَى الْعِمَارَةَ مُتَعَنِّتًا مَحْضًا فِي الِامْتِنَاعِ فَيَدْفَعُ تَعَنُّتَهُ بِالْجَبْرِ عَلَى الْعِمَارَةِ هَذَا إذَا انْهَدَمَا بِأَنْفُسِهِمَا فَأَمَّا إذَا هَدَمَ صَاحِبُ السُّفْلِ سُفْلَهُ حَتَّى انْهَدَمَ الْعُلُوُّ يُجْبَرُ عَلَى إعَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَقَّ صَاحِبِ الْعُلُوِّ بِإِتْلَافِ مَحِلِّهِ وَيُمْكِنُ جَبْرُهُ بِالْإِعَادَةِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ.

وَعَلَى هَذَا حَائِطٌ بَيْنَ دَارَيْنِ انْهَدَمَ وَلَهُمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ لَمْ يُجْبَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى بِنَائِهِ لِمَا قُلْنَا وَلَكِنْ إذَا أَبَى أَحَدُهُمَا الْبِنَاءَ يُقَالُ لِلْآخَرِ إنْ شِئْت فَابْنِ مِنْ مَالِ نَفْسِك وَضَعْ خَشَبَك عَلَيْهِ وَامْنَعْ صَاحِبَك مِنْ الْوَضْعِ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْك نِصْفَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا أَوْ نِصْفَ مَا أَنْفَقْته عَلَى حَسْبِ مَا ذَكَرنَا فِي السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ وَقِيلَ إنَّمَا يَرْجِعُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ الْحَائِطِ عَرِيضًا وَلَا يُمَكَّنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبْنِيَ حَائِطًا عَلَى حِدَةٍ فِي نُصِبْهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ (فَأَمَّا) إذَا كَانَ عَرِيضًا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ وَأَنْ يَبْنِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ حَائِطًا يَصْلُحُ لِوَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَيْهِ فَبَنَاهُ كَمَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى صَاحِبِهِ بَلْ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا؛ لِأَنَّهُ يَبْنِي مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ عُرْضَةِ الْحَائِطِ لَمْ تُقْسَمْ إلَّا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا بِالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ حَقَّ وَضْعِ الْخَشَبِ وَفِي الْقِسْمَةِ جَبْرًا إبْطَالُ حَقِّ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَرِيضًا فَإِنْ كَانَ يُقْسَمُ قِسْمَةَ جَبْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ وَلَوْ كَانَتْ الْجُذُوعُ عَلَيْهِ لِأَحَدِهِمَا فَطَلَب أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ فَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ صَاحِبَ الْجُذُوعِ يُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الِانْتِفَاعِ مُتَعَنِّتٌ وَإِنَّمَا الْحَقُّ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ وَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ مَنْ لَا جِذْعَ لَهُ لَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْجُذُوعِ عَلَى الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ فِي وَضْعِ الْجُذُوعِ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ.

وَلَوْ هَدَمَ الْحَائِطَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ عَلَى إعَادَتِهِ لِمَا ذَكَرنَا أَنَّهُ أَتْلَفَ مَحَلَّ حَقِّ أَحَدِهِمَا فَيَجِبُ جَبْرُهُ عَلَى الْإِعَادَةِ وَعَلَى هَذَا سُفْلٌ لِرَجُلٍ وَعَلَيْهِ عُلُوٌّ لِغَيْرِهِ فَأَرَادَ صَاحِبُ السُّفْلِ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا أَوْ يُثْبِتَ كَوَّةً أَوْ يَحْفِرَ طَاقًا أَوْ يَقُدَّ وَتِدًا عَلَى الْحَائِطِ أَوْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْعُلُوِّ سَوَاءٌ أَضَرَّ ذَلِكَ بِالْعُلُوِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>