للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَنْ أَوْجَبَ وَهَنَ الْحَائِطِ أَوْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْعُلُوِّ وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ السُّفْلِ أَنْ يَحْفِرَ فِي سُفْلِهِ بِئْرًا أَوْ بَالُوعَةً أَوْ سِرْدَابًا فَلَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْعُلُوِّ إجْمَاعًا وَكَذَا إيقَادُ النَّارِ لِلطَّبْخِ أَوْ لِلْخُبْزِ وَصَبُّ الْمَاءِ لِلْغُسْلِ أَوْ لِلْوُضُوءِ بِالِاتِّفَاقِ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافُ لَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ أَنْ يُحْدِثَ عَلَى عُلُوِّهِ بِنَاءً أَوْ يَضَعَ جُذُوعًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ يَشْرَعَ فِيهِ بَابًا أَوْ كَنِيفًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ أَضَرَّ بِالسُّفْلِ أَوْ لَا وَعِنْدَهُمَا لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالسُّفْلِ وَلَهُ إيقَادُ النَّارِ وَصَبُّ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ إجْمَاعًا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ وَقَوْلُهُمَا تَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ صَاحِبَ السُّفْلِ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَلَا يُمْنَعُ إلَّا لِحَقِّ الْغَيْرِ وَحَقُّ الْغَيْرِ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ لَعَيْنِهِ بَلْ لِمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْنَعُ مِنْ الِاسْتِظْلَالِ بِجِدَارِ غَيْرِهِ وَمِنْ الِاصْطِلَاءِ بِنَارِ غَيْرِهِ لِانْعِدَامِ تَضَرُّرِ الْمَالِكِ وَالْخِلَافُ هُنَا فِي تَصَرُّفٌ لَا يَضُرُّ بِصَاحِبِ الْعُلُوِّ فَلَا يُمْنَعُ عَنْهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حُرْمَةَ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَحَقِّهِ لَا يَقِفُ عَلَى الضَّرَرِ بَلْ هُوَ حَرَامٌ سَوَاءٌ تَضَرَّرَ بِهِ أَمْ لَا أَلَا تَرَى أَنَّ نَقْلَ الْمِرْآةِ والمبحار مِنْ دَارِ الْمَالِكِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَالِكُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُبَاحُ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَحَقِّهِ بِرِضَاهُ وَلَوْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ لَمَا أُبِيحَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يَنْعَدِمُ بِرِضَا الْمَالِكِ وَصَاحِبُ الْحَقِّ دَلَّ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَحَقِّهِ حَرَامٌ أَضَرَّ بِالْمَالِكِ أَوْ لَا وَهُنَا حَقٌّ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ مُتَعَلِّقٌ بِالسُّفْلِ فَيَحْرُمُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَرِضَاهُ بِخِلَافِ مَا ضَرَبْنَا مِنْ الْمِثَالِ وَهُوَ الِاسْتِظْلَالُ بِجِدَارِ غَيْرِهِ وَالِاصْطِلَاءُ بِنَارِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ تَصَرُّفًا فِي مِلْكٍ الْغَيْرِ وَحَقِّهِ إذْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ مُتَّصِلٌ بِمِلْكِ الْغَيْرِ وَحَقِّهِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ مَسِيلُ مَاءٍ فِي قَنَاةٍ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْقَنَاةِ أَنْ يَجْعَلَهُ مِيزَابًا أَوْ كَانَ مِيزَابًا فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ قَنَاةً لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ مِيزَابًا أَطْوَلَ مِنْ مِيزَابِهِ أَوْ أَعْرَضَ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَسِيلَ مَاءُ سَطْحٍ آخَرَ فِي ذَلِكَ الْمِيزَابِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ أَهْلُ الدَّارِ أَنْ يَبْنُوا حَائِطًا لِيَسُدُّوا مَسِيلَهُ أَوْ أَرَادُوا أَنْ يَنْقُلُوا الْمِيزَابَ عَنْ مَوْضِعِهِ أَوْ يَرْفَعُوهُ أَوْ يُسْفِلُوهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِالْإِبْطَالِ وَالتَّغْيِيرِ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَوْ بَنَى أَصْلَ الدَّارِ لِتَسْيِيلِ مِيزَابِهِ عَلَى ظُهْرِهِ فَلَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ صَاحِبِ الْمِيزَابِ حَاصِلٌ فِي الْحَالَيْنِ.

دَارٌ لِرَجُلٍ فِيهَا طَرِيقٌ فَأَرَادَ أَهْلُ الدَّارِ أَنْ يَبْنُوا فِي سَاحَةِ الدَّارِ مَا يَقْطَعُ طَرِيقَهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرُورِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكُوا فِي سَاحَةِ الدَّارِ عَرْضَ بَابِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ عَرْضَ الطَّرِيقِ مُقَدَّرٌ بِعَرْضِ بَابِ الدَّارِ وَلَوْ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَشْرَعَ إلَى الطَّرِيقِ جَنَاحًا أَوْ مِيزَابًا فَنَقُولُ هَذَا فِي الْأَصْلِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ كَانَتْ السِّكَّةُ نَافِذَةً وَإِمَّا إنْ كَانَتْ غَيْرَ نَافِذَةٍ فَإِنْ كَانَتْ نَافِذَةً فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَضُرُّ بِالْمَارِّينَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي دِينِهِ لِقَوْلِهِ «لَا ضَرَرَ وَلَا إضْرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يُقْلِعَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَضُرُّ بِالْمَارِّينَ حَلَّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِ أَحَدٌ بِالرَّفْعِ وَالنَّقْضِ فَإِذَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ قَبْلَ التَّقَدُّمِ وَبَعْدَهُ وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي غَرْسِ الْأَشْجَارِ وَبِنَاءُ الدَّكَاكِينَ وَالْجُلُوسِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا مَا ذَكَرنَا أَنَّ حُرْمَةَ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ لَيْسَ لَعَيْنِهِ بَلْ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الضَّرَرِ وَلَا ضِرَارَ بِالْمَارَّةِ فَاسْتَوَى فِيهِ حَالُ مَا قَبْلَ التَّقَدُّمِ وَبَعْدَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إشْرَاعَ الْجَنَاحِ وَالْمِيزَابِ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّة تَصَرُّفٌ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّ هَوَاءَ الْبُقْعَةِ فِي حُكْمِ الْبُقْعَةِ وَالْبُقْعَةُ حَقُّهُمْ فَكَذَا هَوَاؤُهَا فَكَانَ الِانْتِفَاعُ بِذَلِكَ تَصَرُّفًا فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرَامٌ سَوَاءٌ أَضَرَّ بِهِ أَوْ لَا إلَّا أَنَّهُ حَلَّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِذَلِكَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ مِنْهُمْ دَلَالَةً وَهِيَ تَرْكُ التَّقَدُّمِ بِالنَّقْضِ وَالتَّصَرُّفُ فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ بِإِذْنِهِ مُبَاحٌ فَإِذَا وَقَعَتْ الْمُطَالَبَةُ بِصَرِيحِ النَّقْضِ بَطَلَتْ الدَّلَالَةُ فَبَقِيَ الِانْتِفَاعُ بِالْمَبْنَى تَصَرُّفًا فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْكُلِّ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِمْ وَرِضَاهُمْ فَلَا يَحِلُّ هَذَا إذَا كَانَتْ السِّكَّةُ نَافِذَةً فَأَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ نَافِذَةٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي التَّقْدِيمِ فَلَيْسَ لِأَهْلِ السِّكَّةِ حَقُّ الْمَنْعِ لِتَصَرُّفِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>