وَكَّلَنِي بِالْخُصُومَةِ فِيهِ، كَمَا يَنْفِي قَوْلَهُ: " إنَّهُ لِي " يَنْفِي قَوْلَهُ: " إنَّهُ لِفُلَانٍ آخَرَ وَكَّلَنِي بِالْخُصُومَةِ فِيهِ " فَلَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا وَفَّقَ فَقَالَ: " إنَّ الْمُوَكِّلَ الْأَوَّلَ بَاعَ مِنْ الْمُوَكِّلِ الثَّانِي ثُمَّ وَكَّلَنِي الثَّانِي بِالْخُصُومَةِ " فَيُقْبَلُ لِزَوَالِ الْمُنَاقَضَةِ، وَلَوْ ادَّعَى فِي ذِي الْقَعْدَةِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذِهِ الدَّارَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِأَلْفٍ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِالدَّارِ عَلَى الْمُدَّعِي فِي شَعْبَانَ، لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛؛ لِأَنَّ دَعْوَى التَّصَدُّقِ فِي شَعْبَانَ تُنَافِي الشِّرَاءَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِاسْتِحَالَةِ شِرَاءِ الْإِنْسَانِ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَالتَّوْفِيقُ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَا تُقْبَلُ.
وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى التَّصَدُّقِ فِي شَوَّالٍ، وَوَفَّقَ فَقَالَ: " جَحَدَنِي الشِّرَاءَ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيَّ " تُقْبَلُ وَلَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْمُدَّعِي بِالْأَمْسِ لَا تُقْبَلُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ وَيُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَيْهِ، وَلَوْ أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لِلْمُدَّعِي تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ﵀ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَمَّا قَامَتْ عَلَى أَنَّهَا مَا كَانَتْ فِي يَدِهِ، فَالْأَصْلُ فِي الثَّابِتِ بَقَاؤُهُ، وَلِهَذَا قَبِلْت الْبَيِّنَةُ عَلَى مِلْكٍ كَانَ؛ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَلَوْ ثَبَتَ بِالْمُعَايَنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ بِالْأَمْسِ يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَيْهِ كَذَا هَذَا (وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الشَّهَادَةَ قَامَتْ عَلَى يَدٍ كَانَتْ، فَلَا يَثْبُتُ الْكَوْنُ لِلْحَالِ إلَّا بِحُكْمِ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِلْزَامِ،؛ وَلِأَنَّ الْيَدَ قَدْ تَكُونُ مُحِقَّةً، وَقَدْ تَكُونُ مُبْطِلَةً، وَقَدْ تَكُونُ يَدَ مِلْكٍ، وَقَدْ تَكُونُ يَدَ أَمَانَةٍ، فَكَانَتْ مُحْتَمَلَةً، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً، بِخِلَافِ الْمِلْكِ وَالْمُعَايَنَةِ، وَبِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ، وَالْبَيِّنَةُ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ بِنَفْسِهَا بَلْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَلَا وَجْهَ لِلْقَضَاءِ بِالْمُحْتَمَلِ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ بِالْأَمْسِ فَأَخَذَهَا هَذَا مِنْهُ، أَوْ غَصَبَهَا أَوْ أَوْدَعَهُ أَوْ أَعَارَهُ تُقْبَلُ، وَيَقْضِي لِلْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ تَلَقَّى الْيَدَ مِنْ جِهَةِ الْخَارِجِ فَيُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ، فَنَقُولُ هَذَا لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، إمَّا أَنْ شَهِدُوا أَنَّ الدَّارَ كَانَتْ لِأَبِيهِ وَلَمْ يَقُولُوا مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ، وَإِمَّا أَنْ قَالُوا إنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ، وَإِمَّا أَنْ قَالُوا إنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ أَبِيهِ يَوْمَ الْمَوْتِ، وَإِمَّا أَنْ أَثْبَتُوا مِنْ أَبِيهِ فِعْلًا فِيهَا عِنْدَ مَوْتِهِ أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - " لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ " وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ " تُقْبَلُ "، وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ مَاتَ قَبْلَهَا لَا تُقْبَلُ، قَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْأَمَالِي " يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ "، (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمِلْكَ مَتَى ثَبَتَ لِأَبِيهِ بِشَهَادَتِهِمْ، فَالْأَصْلُ فِيمَا ثَبَتَ يَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ الْمُزِيلُ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ يَوْمَ الْمَوْتِ أَيْضًا (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ خَالَفَتْ الدَّعْوَى؛؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِي ادَّعَى مِلْكًا كَائِنًا، وَالشَّهَادَةُ وَقَعَتْ بِمِلْكٍ كَانَ لَا بِمِلْكٍ كَائِنٍ، فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ مُخَالِفَةً لِلدَّعْوَى فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَا ثَبَتَ يَبْقَى، قُلْنَا: نَعَمْ لَكِنْ لَا حُكْمًا لِدَلِيلِ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الثُّبُوتِ لَا يَتَعَرَّضُ لِلْبَقَاءِ، وَإِنَّمَا الْبَقَاءُ بِحُكْمِ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا كَانَتْ لِجَدِّهِ فَعِنْدَهُمَا لَا يَقْضِي بِهَا مَا لَمْ يَشْهَدُوا بِالْمِيرَاثِ بِأَنْ يَقُولُوا: " مَاتَ جَدُّهُ وَتَرَكَهَا لِأَبِيهِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ " وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْظُرُ: إنْ عَلِمَ أَنَّ الْجَدَّ مَاتَ قَبْلَ الْأَبِ يَقْضِي بِهَا لَهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْأَبَ مَاتَ قَبْلَ الْجَدِّ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَقْضِ بِهَا، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا لِأَبِيهِ لَا يَقْضِي بِهَا لَهُ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا عَلَى الِاتِّفَاقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي - وَهُوَ مَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ، فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ مَقْبُولَةٌ؛؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالْمِلْكِ الْمَوْرُوثِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالتَّرْكِ مِيرَاثًا لَهُ، وَهُوَ تَفْسِيرُ الْمِلْكِ الْمَوْرُوثِ وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ - وَهُوَ مَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ، فَالشَّهَادَةُ مَقْبُولَةٌ؛؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْيَدِ مِنْ الْأَصْلِ يُحْمَلُ عَلَى يَدِ الْمَالِكِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ بِيَدٍ قَائِمَةٍ عِنْدَ الْمَوْتِ شَهَادَةً بِمِلْكٍ قَائِمٍ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَإِذَا مَاتَ فَقَدْ تَرَكَ فَثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ فِي الْمَتْرُوكِ، إذْ هُوَ تَفْسِيرُ الْمِلْكِ الْمَوْرُوثِ؛ وَلِأَنَّ يَدَهُ إنْ كَانَتْ يَدَ مِلْكٍ كَانَ الْمِلْكُ ثَابِتًا لِلْمُوَرِّثِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدَ أَمَانَةٍ انْتَقَلَتْ يَدَ مِلْكٍ إذَا مَاتَ مُجَهِّلًا؛؛ لِأَنَّ التَّجْهِيلَ عِنْدَ الْمَوْتِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْمَضْمُونِ عِنْدَنَا وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ، وَهُوَ مَا إذَا ثَبَتَ لِيَدِ الْمَشْهُودِ مِنْ الْأَبِ فِعْلًا فِي الْعَيْنِ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِعْلًا هُوَ دَلِيلُ الْيَدِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِعْلًا لَيْسَ هُوَ دَلِيلُ الْيَدِ، وَالْفِعْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute