للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي هُوَ دَلِيلُ الْيَدِ هُوَ فِعْلٌ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ بِدُونِ النَّقْلِ فِي النَّقْلِيَّاتِ، كَاللُّبْسِ وَالْحَمْلِ، أَوْ فِعْلٌ يُوجَدُ لِلنَّقْلِ عَادَةً، كَالرُّكُوبِ فِي الدَّوَابِّ، أَوْ فِعْلًا يُوجَدُ فِي الْغَالِبِ مِنْ الْمُلَّاكِ فِيمَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ كَالسُّكْنَى فِي الدُّورِ، وَالْفِعْلُ الَّذِي لَيْسَ بِدَلِيلِ الْيَدِ هُوَ فِعْلٌ ثَبَتَ فِي النَّقْلِيَّاتِ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ، وَلَا يَكُونُ حُصُولُهُ لِلنَّقْلِ عَادَةً كَالْجُلُوسِ عَلَى الْبِسَاطِ، أَوْ فِعْلٌ لَيْسَ بِفِعْلٍ لِلْمُلَّاكِ غَالِبًا فِيمَا لَا يَقْبَلُ، كَالنَّوْمِ وَالْجُلُوسِ فِي الدَّارِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِعْلًا هُوَ دَلِيلُ الْيَدِ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ الْقَائِمَةُ عَلَى ثُبُوتِهِ عِنْدَ مَوْتِ الْأَبِ،؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ الْقَائِمَةَ عَلَى مَا هُوَ دَلِيلُ الْيَدِ عِنْدَ الْمَوْتِ قَائِمَةٌ عَلَى الْيَدِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ فِعْلًا لَيْسَ بِدَلِيلِ الْيَدِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الْيَدِ الَّتِي هِيَ دَلَالَةُ الْمِلْكِ؛ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ فِي هَذِهِ الدَّارِ: أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْيَدِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمِلْكِ، وَلَا عَلَى فِعْلٍ دَالٍّ عَلَى الْيَدِ، وَلَا عَلَى فِعْلٍ هُوَ فِعْلُ الْمُلَّاكِ غَالِبًا؛ لِأَنَّ الدَّارَ قَدْ يَمُوتُ فِيهَا الْمَالِكُ، وَقَدْ يَمُوتُ فِيهَا غَيْرُ الْمَالِكِ مِنْ الزُّوَّارِ وَالضَّيْفِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ لَابِسٌ هَذَا الْقَمِيصَ، أَوْ لَابِسٌ هَذَا الْخَاتَمَ تُقْبَلُ؛؛ لِأَنَّ لُبْسَ الْقَمِيصِ وَالْخَاتَمِ فِعْلٌ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ النَّقْلِ، فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى الْيَدِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْجَوَابَ فِي الْخَاتَمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ جَوَابَ الْكِتَابِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْخَاتَمُ فِي خِنْصَرِهِ أَوْ بِنْصِرِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيمَا سِوَاهُمَا مِنْ الْأَصَابِعِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمُلَّاكِ فِي الْخَاتَمِ هَذَا عَادَةٌ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ الْقَائِمَةُ عَلَيْهِ قَائِمَةً عَلَى الْيَدِ، فَأَمَّا جَعْلُهُ فِيمَا سِوَاهُمَا مِنْ الْأَصَابِعِ مِنْ الْمُلَّاكِ فَهُوَ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ اسْتِعْمَالَ الْخَاتَمِ، فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الْيَدِ، وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ جَعَلَ الْمُودِعُ الْخَاتَمَ فِي خِنْصَرِهِ أَوْ بِنْصِرِهِ فَضَاعَ مِنْ يَدِهِ يُضْمَنُ لِمَا أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ، وَلَوْ جَعَلَهُ فِيمَا سِوَاهُمَا الْأَصَابِعَ فَضَاعَ لَا يَضْمَنُ لِمَا أَنَّ ذَلِكَ حِفْظٌ وَلَيْسَ بِاسْتِعْمَالٍ، وَالصَّحِيحُ إطْلَاقُ جَوَابِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ كَيْفَ مَا كَانَ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ النَّقْلِ فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى الْيَدِ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى هَذَا الْبِسَاطِ، أَوْ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ أَوْ نَائِمٌ عَلَيْهِ، لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تُتَصَوَّرُ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ وَلَا تُفْعَلُ لِلنَّقْلِ عَادَةً، فَلَمْ يَكُنْ دَلِيلَ الْيَدِ، فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهُ لَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ فِي بِسَاطٍ، أَحَدُهُمَا جَالِسٌ عَلَيْهِ، وَالْآخِرُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ أَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَهَذَا دَلِيلُ ثُبُوتِ يَدَيْهِمَا عَلَيْهِ قِيلَ لَهُ: إنَّمَا قَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِدَعْوَاهُمَا أَنَّهُ فِي يَدَيْهِمَا لَا لِثُبُوتِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ وَالتَّعَلُّقَ بِهِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ النَّقْلِ، وَلَا يُوجَدُ أَنَّ النَّقْلَ غَالِبًا عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الْيَدِ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ تُقْبَلُ، وَيَقْضِي بِالدَّابَّةِ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ وَإِنْ كَانَ يَتَهَيَّأُ بِدُونِ نَقْلِ الدَّابَّةِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْعَلُ عَادَةً إلَّا لِلنَّقْلِ، فَكَانَ دَلِيلَ الْيَدِ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ سَاكِنٌ هَذِهِ الدَّارَ تُقْبَلُ، وَيَقْضِي لِلْوَارِثِ (وَرُوِيَ) عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ وَلَا يَقْضِي، (وَوَجْهُهُ) أَنَّ فِعْلَ السُّكْنَى فِي الدَّارِ كَمَا يُوجَدُ مِنْ الْمُلَّاكِ يُوجَدُ مِنْ غَيْرِهِمْ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْيَدِ، وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛؛ لِأَنَّ السُّكْنَى فِعْلٌ يُوجَدُ فِي الْغَالِبِ مِنْ الْمُلَّاكِ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ هَذَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ مَاتَ وَهَذَا الثَّوْبُ مَوْضُوعٌ عَلَى رَأْسِهِ، وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ كَانَ حَامِلًا لَهُ لَا تُقْبَلُ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعِي بِهَذَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَضَعَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ وَضَعَهُ غَيْرُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ بِأَنْ هَبَّتْ رِيحٌ بِهِ فَأَلْقَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي النَّقْلُ مِنْهُ، فَلَا يَثْبُتُ النَّقْلُ مِنْهُ بِالشَّكِّ، فَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ بِالشَّكِّ، ثُمَّ نَقُولُ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ قَالُوا: " هَذَا وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ "، وَإِمَّا أَنْ قَالُوا: " هُوَ وَارِثُهُ لَا نَعْلَمُ أَنَّ لَهُ وَارِثًا غَيْرُهُ "، وَإِمَّا أَنْ قَالُوا: " هُوَ وَارِثُهُ "، وَلَمْ يَقُولُوا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ، وَلَا قَالُوا: " لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ " فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ - وَهُوَ مَا إذَا قَالُوا: " هُوَ وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ " فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ؛ لِأَنَّهَا كَشَهَادَةٍ عَلَى مَا لَا عِلْمَ لِلشَّاهِدِ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ لَا يَعْلَمُهُ، وَقَدْ قَالَ لِلشَّاهِدِ «إذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ، وَإِلَّا فَدَعْ» (وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ مَعْنَاهُ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، أَوْ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فِي عِلْمِنَا، وَلَوْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ، فَكَذَا هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْوَجْهُ الثَّانِي - وَهُوَ مَا إذَا قَالُوا: " هُوَ وَارِثُهُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ "

<<  <  ج: ص:  >  >>