للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا تُقْبَلُ حَتَّى يَقُولُوا: " لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ "؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَقُولُوا: " لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ " اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ لَا يَعْلَمُونَهُ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ إنَّمَا تَحِلُّ لَهُ الشَّهَادَةُ بِمَا فِي عِلْمِهِ، وَنَفْيُ وَارِثٍ آخَرَ لَيْسَ فِي عِلْمِهِ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ الشَّهَادَةُ بِهِ، إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ مَا فِي عِلْمِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلَوْ قَالُوا: " لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فِي هَذَا الْمِصْرِ، أَوْ فِي أَرْضِ كَذَا " تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا تُقْبَلُ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ قَوْلَهُمْ: " لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فِي هَذَا الْمِصْرِ " لَا يَنْفِي وَارِثًا غَيْرَهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ فِي مِصْرٍ آخَرَ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَعَلِمُوهُ؛ لِأَنَّ وَارِثَ الْإِنْسَانِ لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ بَلَدِهِ عَادَةً، فَكَانَ التَّخْصِيصُ وَالتَّعْمِيمُ فِيهِ سَوَاءٌ، ثُمَّ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ، أَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ وَارِثُهُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، أَوْ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فِي هَذَا الْمِصْرِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ كُلَّ التَّرِكَةِ إلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَارِثُ مِمَّنْ لَا يَحْتَمِلُ الْحَجْبَ، كَالِابْنِ وَالْأَبِ وَالْأُمِّ وَنَحْوِهِمْ، أَوْ يَحْتَمِلُهُ، كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْجَدِّ وَنَحْوِهِمْ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ وَارِثًا لَهُ فَيُدْفَعُ إلَيْهِ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ إلَّا إذَا كَانَ زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً فَلَا يُعْطَى إلَّا أَكْثَرُ نَصِيبِهِ، فَلَا يُعْطَى الزَّوْجُ إلَّا النِّصْفُ، وَلَا تُعْطَى الْمَرْأَةُ إلَّا الرُّبُعُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَسْتَحِقَّانِ مِنْ الْمِيرَاثِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا، وَفِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْوَارِثِ كَفِيلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ - وَهُوَ مَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ وَارِثُهُ وَلَمْ يَقُولُوا: " لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ "، وَلَا قَالُوا: " لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ " فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَحْتَمِلُ الْحَجْبَ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ شَيْءٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ثَمَّةَ حَاجِبٍ، فَإِنْ كَانَ لَا يُعْطَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُعْطَى بِالشَّكِّ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَحْتَمِلُ الْحَجْبَ يُدْفَعُ إلَيْهِ جَمِيعُ الْمَالِ إلَّا الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ، فَإِنَّهُ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِمَا إلَّا نَصِيبُهُمَا، وَهُوَ أَكْثَرُ النَّصِيبَيْنِ، عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْمَرْأَةِ الرُّبُعُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ، لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ وَلِلْمَرْأَةِ الثُّمْنُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ (وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ النُّقْصَانَ عَنْ أَكْثَرِ النَّصِيبَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْمُزَاحَمَةِ، وَفِي وُجُودِ الْمُزَاحِمِ شَكٌّ، فَلَا يَثْبُتُ النُّقْصَانُ بِالشَّكِّ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَقَلَّ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ، وَفِي الزِّيَادَةِ شَكٌّ فَلَا تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ بِالشَّكِّ وَرُوِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّ لِلزَّوْجِ الرُّبُعَ وَلِلْمَرْأَةِ رُبُعُ الثُّمْنِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَيَكُونُ لَهَا رُبُعُ الثُّمْنِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَفِي الزِّيَادَةِ شَكٌّ، وَرَوَى عَنْهُ أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ وَلِلزَّوْجِ الْخُمُسُ، وَلِلْمَرْأَةِ رُبُعُ التُّسْعِ، أَمَّا الزَّوْجُ؛ فَلِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ أَبَوَانِ وَبِنْتَانِ وَزَوْجٌ، أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، لِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ: أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ: ثَمَانِيَةٌ، وَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ: ثَلَاثَةٌ، فَعَالَتْ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ فَصَارَتْ الْفَرِيضَةُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَثَلَاثَةٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ: خُمُسُهَا فَذَلِكَ لِلزَّوْجِ.

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ؛ فَلِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ أَبَوَانِ وَبِنْتَانِ وَزَوْجَةٌ، أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، لِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ: ثَمَانِيَةٌ، وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ: سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ: ثَلَاثَةٌ، فَعَالَتْ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ فَصَارَتْ الْفَرِيضَةُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ، وَثَلَاثَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ: تُسْعُهَا، ثُمَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا ثَلَاثَةٌ أُخْرَى فَيَكُنَّ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ، فَيَكُونُ لَهَا رُبُعُ التُّسْعِ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَا تَسْتَقِيمُ، فَتُضْرَبُ أَرْبَعَةٌ فِي تِسْعَةٍ، وَيَكُونُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ سَهْمًا، تُسْعُهَا: أَرْبَعَةٌ، فَلَهَا مِنْ ذَلِكَ سَهْمٌ، وَهُوَ رُبُعُ التُّسْعِ، وَهُوَ سَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا، ثُمَّ فِي هَذَا الْوَجْهِ الثَّالِثِ إذَا كَانَ الْوَارِثُ مِمَّنْ لَا يَحْتَمِلُ الْحَجْبَ وَدُفِعَ الْمَالُ إلَيْهِ هَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ -: " لَا يُؤْخَذُ "، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -: " يُؤْخَذُ " (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ لِصِيَانَةِ الْحَقِّ، وَالْحَاجَةُ مَسَّتْ إلَى الصِّيَانَةِ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ وَارِثٍ آخَرَ فَيُؤْخَذُ الْكَفِيلُ نَظَرًا لِلْوَارِثِ، كَمَا فِي رَدِّ الْآبِقِ وَاللُّقَطَةِ إلَى صَاحِبِهَا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ حَقَّ الْحَاضِرِ لِلْحَالِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ، وَفِي ثُبُوتِ الْحَقِّ لِوَارِثٍ آخَرَ شَكٌّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ وَارِثٌ آخَرُ، وَقَدْ لَا يَظْهَرُ، فَلَا يَجُوزُ تَعْطِيلُ الْحَقِّ الثَّابِتِ بِيَقِينٍ لِحَقٍّ مَشْكُوكٍ فِيهِ مَعَ مَا أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ مَجْهُولٌ، وَالْكَفَالَةُ لِلْمَجْهُولِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَإِنَّمَا أُخِذَ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِ الْآبِقِ وَاللُّقَطَةِ، فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ قَوْلُهُمَا لِمَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ عَلَى أَنَّا سَلَّمْنَا فَتِلْكَ كَفَالَةٌ لِمَعْلُومٍ لَا لِمَجْهُولٍ؛ لِأَنَّ الرَّادَّ إنَّمَا يَأْخُذُ الْكَفِيلَ لِنَفْسِهِ كَيْ لَا يَلْزَمَهُ الضَّمَانُ فَلَمْ تَكُنْ كَفَالَةً لِمَجْهُولٍ وَذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>