للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِشَرْطٍ عِنْدَنَا، فَتُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَالثِّنْتَانِ أَحْوَطُ، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَنَّ الْعَدَدَ فِيهِ شَرْطٌ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ يُكْتَفَى فِيهِ بِامْرَأَتَيْنِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا بُدَّ مِنْ الْأَرْبَعِ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ شَهَادَةَ الرِّجَالِ لَمَّا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا فِي هَذَا الْبَابِ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَجَبَ الِاكْتِفَاءُ بِعَدَدِهِمْ مِنْ النِّسَاءِ، وَوَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ لَا يُكْتَفَى بِأَقَلَّ مِنْ رَجُلَيْنِ، فَلَا يُكْتَفَى بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ.

(وَلَنَا) أَنَّ شَرْطَ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ فِي الْأَصْلِ ثَبَتَ تَعَبُّدًا غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى؛؛ لِأَنَّ خَبَرَ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ عَنْ الْكَذِبِ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ قَطْعًا وَيَقِينًا، وَإِنَّمَا يُفِيدُهُ غَالِبُ الرَّأْيِ وَأَكْثَرُ الظَّنِّ، وَهَذَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ، وَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْعَدَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا الْعَدَدَ فِيهَا شَرْطًا بِالنَّصِّ، وَالنَّصُّ وَرَدَ بِالْعَدَدِ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ: ﴿فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] ، فَبَقِيَتْ حَالَةُ الِانْفِرَادِ عَنْ الرِّجَالِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَبِلَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ، وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَاحِدٌ بِالْوِلَادَةِ يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَشَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْهَا اتِّفَاقُ الشَّهَادَتَيْنِ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ فَإِنْ اخْتَلَفَا لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ،؛ وَلِأَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الشَّهَادَتَيْنِ لَمْ يُوجَدْ إلَّا أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ، وَلَا يُكْتَفَى بِهِ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ، ثُمَّ نَقُولُ: الِاخْتِلَافُ قَدْ يَكُونُ فِي جِنْسِ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي قَدْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الزَّمَانِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَكَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، أَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي الْجِنْسِ فَقَدْ يَكُونُ فِي الْعَقْدِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَالِ، أَمَّا فِي الْعَقْدِ فَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا بِالْبَيْعِ وَالْآخَرُ بِالْمِيرَاثِ أَوْ بِالْهِبَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا تُقْبَلُ لِاخْتِلَافِ الْعَقْدَيْنِ صُورَةً وَمَعْنًى، فَقَدْ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ غَيْرِ مَا شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ، وَلَيْسَ عَلَى أَحَدِهِمَا شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ وَأَمَّا فِي الْمَالِ فَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا بِمَكِيلٍ وَالْآخَرُ بِمَوْزُونٍ، فَلَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَلَيْسَ عَلَى أَحَدِهِمَا شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُ الشَّهَادَةِ فِي قَدْرِ الْمَشْهُودِ بِهِ، فَنَحْوُ مَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفَيْنِ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ، لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَصْلًا، وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ، تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ بِالْإِجْمَاعِ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا: أَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تُخَالِفْ الدَّعْوَى فِي قَدْرِ الْأَلْفِ بَلْ وَافَقَتْهَا بِقَدْرِهَا، إلَّا أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي زِيَادَةَ مَالٍ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ، فَيَثْبُتُ قَدْرُ مَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ، كَمَا إذَا ادَّعَى أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ شَطْرَ الشَّهَادَةِ خَالَفَ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي أَلْفَيْنِ، وَأَنَّهُ اسْمٌ وُضِعَ دَلَالَةً عَلَى عَدَدٍ مَعْلُومٍ، وَالِاسْمُ الْمَوْضُوعُ دَلَالَةً عَلَى عَدَدٍ لَا يَقَعُ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ الْعَدَدِ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ، كَالْبَرْكِ لِأَلْفٍ مِنْ الْإِبِلِ وَالْهُنَيْدَةِ لِمِائَةٍ مِنْهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَمْ تَكُنْ الْأَلْفُ الْمُفْرَدَةُ مُدَّعًى، فَلَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ شَاهِدَةً عَلَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الدَّعْوَى فَانْفَرَدَتْ الشَّهَادَةُ عَنْ الدَّعْوَى فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى، فَلَا تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ أَنَّهُ يُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ وَالْخَمْسَمِائَةِ اسْمٌ لِعَدَدَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُعْطَفُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَيُقَالُ: أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ دَاخِلًا تَحْتَ الدَّعْوَى، فَالشَّهَادَةُ الْقَائِمَةُ عَلَيْهِمَا تَكُونُ قَائِمَةً عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودًا، فَإِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ فَقَدْ شَهِدَ بِأَحَدِ الْعَدَدَيْنِ الدَّاخِلَيْنِ تَحْتَ الدَّعْوَى، فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ مُوَافِقَةً لِلدَّعْوَى فِي عَدَدِ الْأَلْفِ فَيُقْضَى بِهِ لِلْمُدَّعِي؛ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ - بِخِلَافِ الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ -؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِعَدَدٍ وَاحِدٍ لَا تَصِحُّ عَلَى مَا دُونَهُ بِحَالٍ، فَلَمْ تَكُنْ الْأَلْفُ الْمُفْرَدَةُ دَاخِلَةً تَحْتَ الدَّعْوَى، فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ الْقَائِمَةُ عَلَيْهَا شَهَادَةً عَلَى مَا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الدَّعْوَى، فَلَا تُقْبَلُ فَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ ادَّعَى أَلْفًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْأَلْفِ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ فِي بَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ تُهْمَةً فِي الْبَاقِي، فَلَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا وَفَّقَ فَقَالَ: كَانَ لِي عَلَيْهِ أَلْفَانِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ قَدْ قَضَانِي أَلْفًا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الشَّاهِدُ فَيُقْبَلُ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَلْفًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهَا وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لَا تُقْبَلُ لِمَا قُلْنَا، إلَّا إذَا وَفَّقَ فَقَالَ: كَانَ لِي عَلَيْهِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، إلَّا أَنَّهُ قَضَانِي خَمْسَمِائَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا الشَّاهِدُ فَتُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَفَّقَ فَقَدْ زَالَ الِاخْتِلَافُ الْمَانِعُ مِنْ الْقَبُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>