للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا فَالضَّمَانُ بَيْنَهُمْ أَسْدَاسٌ: سُدُسُهُ عَلَى الرَّجُلِ، وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ عَلَى النِّسْوَةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالضَّمَانُ بَيْنَهُمْ نِصْفَانِ: نِصْفُهُ عَلَى الرَّجُلِ وَنِصْفُهُ عَلَى النِّسْوَةِ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ النِّسَاءَ وَإِنْ كَثُرْنَ فَلَهُنَّ شَطْرُ الشَّهَادَةِ لَا غَيْرُ، فَكَانَ التَّالِفُ بِشَهَادَتِهِنَّ نِصْفَ الْمَالِ وَالنِّصْفَ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ، فَكَانَ الضَّمَانُ بَيْنَهُمْ أَنْصَافًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي الشَّهَادَةِ، فَكَانَ قِسْمَةُ الضَّمَانِ بَيْنَهُمْ أَسْدَاسًا وَلَوْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ ضَمِنَ نِصْفَ الْمَالِ؛؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مَحْفُوظٌ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَكَذَا لَوْ رَجَعَتْ النِّسْوَةُ غَرِمْنَ نِصْفَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مَحْفُوظٌ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ، هَذَانِ الْفَصْلَانِ يُؤَيِّدَانِ قَوْلَهُمَا فِي الظَّاهِرِ وَلَوْ رَجَعَ ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ بَقِيَ مَحْفُوظًا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَوْ رَجَعَتْ امْرَأَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا وَعَلَى الثَّمَانِ رُبُعُ الْمَالِ؛؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ بِثَبَاتِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ، فَكَانَ التَّالِفُ بِشَهَادَتِهِنَّ الرُّبُعَ، وَلَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِمَا نِصْفُ الْمَالِ أَثْلَاثًا: ثُلُثَاهُ عَلَى الرَّجُلِ، وَالثُّلُثُ عَلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ تِسْعَ نِسْوَةٍ يَحْفَظْنَ الْمَالَ، فَكَانَ التَّالِفُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ النِّصْفَ، وَالرَّجُلُ ضِعْفُ الْمَرْأَةِ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ الرَّجُلُ وَامْرَأَةٌ فَعَلَى الرَّجُلِ نِصْفُ الْمَالِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ نِصْفُ الْمَالِ يَكُونُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا: ثُلُثَاهُ عَلَى الرَّجُلِ وَثُلُثُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَوْ رَجَعُوا جَمِيعًا فَالضَّمَانُ بَيْنَهُمْ أَخْمَاسٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: خُمُسَاهُ عَلَى الرَّجُلِ، وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ عَلَى النِّسْوَةِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ ضِعْفُ الْمَرْأَةِ، وَعِنْدَهُمَا نِصْفُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّجُلِ وَنِصْفُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ لَهُنَّ شَطْرَ الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَثُرْنَ، فَكَانَ التَّالِفُ بِشَهَادَةِ كُلِّ نَوْعٍ نِصْفَ الْمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ بِالدُّخُولِ فَقَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ، ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ أَرْبَاعٌ: عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ الرُّبُعُ؛ لِأَنَّ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ شَهِدَا بِكُلِّ الْمَهْرِ؛؛ لِأَنَّ كُلَّ الْمَهْرِ يَتَأَكَّدُ بِالدُّخُولِ، وَلِلْمُؤَكَّدِ حُكْمُ الْمُوجَبِ عَلَى مَا مَرَّ، وَشَاهِدَيْ الطَّلَاقِ شَهِدَا بِالنِّصْفِ؛؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ يَتَأَكَّدُ بِالطَّلَاقِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَالْمُؤَكِّدُ لِلْوَاجِبِ فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ، فَشَاهِدُ الدُّخُولِ انْفَرَدَ بِنِصْفِ الْمَهْرِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ اشْتَرَكَ فِيهِ الشُّهُودُ كُلُّهُمْ، فَكَانَ نِصْفُ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبُعُ عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ، وَثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ عَلَى شَاهِدَيْ الدُّخُولِ.

فَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِهِ فَنَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا - وُجُوبُ الْحَدِّ لَكِنْ فِي شَهَادَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ الشَّهَادَةُ الْقَائِمَةُ عَلَى الزِّنَا، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا، إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جَمِيعِ الشُّهُودِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ، سَوَاءٌ رَجَعُوا بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ قَبْلَ الْقَضَاءِ، أَمَّا قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ فَلِأَنَّ كَلَامَهُمْ قَبْلَ الْقَضَاءِ انْعَقَدَ قَذْفًا لَا شَهَادَةً، إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ لِلْحَالِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَصِيرَ شَهَادَةً بِقَرِينَةِ الْقَضَاءِ، فَإِذَا رَجَعُوا فَقَدْ زَالَ الِاحْتِمَالُ فَبَقِيَ قَذْفًا فَيُوجَبُ الْحَدُّ بِالنَّصِّ.

وَأَمَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ؛ فَلِأَنَّ كَلَامَهُمْ وَإِنْ صَارَ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَقَدْ انْقَلَبَ قَذْفًا بِالرُّجُوعِ فَصَارُوا بِالرُّجُوعِ قَذَفَةً فَيُحَدُّونَ، وَلَوْ رَجَعُوا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَالْإِمْضَاءِ، فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمْ يُحَدُّونَ إذَا كَانَ الْحَدُّ جَلْدًا، وَإِنْ كَانَ رَجْمًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ، وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُمْ لَمَّا رَجَعُوا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ تَبَيَّنَ أَنَّ كَلَامَهُمْ وَقَعَ قَذْفًا مِنْ حِينِ وُجُودِهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَذَفُوا صَرِيحًا، ثُمَّ مَاتَ الْمَقْذُوفُ، وَحَدُّ الْقَذْفِ لَا يُوَرَّثُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فَيَسْقُطُ.

(وَلَنَا) أَنَّ بِالرُّجُوعِ لَا يَظْهَرُ أَنَّ كَلَامَهُمْ كَانَ قَذْفًا مِنْ حِينِ وُجُودِهِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ قَذْفًا وَقْتَ الرُّجُوعِ، وَالْمَقْذُوفُ وَقْتَ الرُّجُوعِ مَيِّتٌ فَصَارَ قَذْفًا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَيَجِبُ الْحَدُّ هَذَا حُكْمُ الْحَدِّ.

وَأَمَّا حُكْمُ الضَّمَانِ، فَأَمَّا قَبْلَ الْإِمْضَاءِ: لَا ضَمَانَ أَصْلًا لِعَدَمِ الْإِتْلَافِ أَصْلًا، وَأَمَّا بَعْدَ الْإِمْضَاءِ، فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا ضَمِنُوا الدِّيَةَ بِلَا خِلَافٍ لِوُقُوعِ شَهَادَتِهِمْ إتْلَافًا أَوْ إقْرَارًا بِالْإِتْلَافِ، وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ جَلْدًا فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَرْشُ الْجَلَدَاتِ إذَا لَمْ يَمُتْ مِنْهَا وَلَا الدِّيَةُ إنْ مَاتَ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ شَهَادَتَهُمْ وَقَعَتْ إتْلَافًا بِطَرِيقِ التَّسْبِيبِ؛؛ لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى الْقَضَاءِ.

وَالْقَضَاءُ يُفْضِي إلَى إقَامَةِ الْجَلَدَاتِ وَأَنَّهَا تُفْضِي إلَى التَّلَفِ فَكَانَ التَّلَفُ بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ مُضَافًا إلَى الشَّهَادَةِ فَكَانَتْ إتْلَافًا تَسْبِيبًا، وَلِهَذَا لَوْ شَهِدُوا بِالْقِصَاصِ أَوْ بِالْمَالِ، ثُمَّ رَجَعُوا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ وَالضَّمَانُ كَذَا هَذَا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>