جَدَّتُهُ كَافِرَةً وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ كَافِرَةً - فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ جَدَّتُهُ مُسْلِمَةً؛ لِأَنَّ أُمَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ وَالِدَتُهُ وَالْجَدَّةُ تُسَمَّى أُمًّا مَجَازًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: يَا ابْنَ مِائَةِ زَانِيَةٍ، أَوْ يَا ابْنَ أَلْفِ زَانِيَةٍ - يَكُونُ قَاذِفًا لِأُمِّهِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْإِحْصَانِ حَالُ الْأُمِّ؛ لِمَا قُلْنَا، وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ عَدَدَ الْمَرَّاتِ لَا عَدَدَ الْأَشْخَاصِ، أَيْ أُمُّكَ زَنَتْ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ، وَلَوْ قَالَ: يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الزَّانِيَةِ يُسْتَعْمَلُ عَلَى الْمُهَيَّأَةِ الْمُسْتَعِدَّةِ لِلزِّنَا وَإِنْ لَمْ تَزْنِ، فَلَا يُجْعَلُ قَذْفًا مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: يَا ابْنَ الدَّعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الدَّعِيَّةَ هِيَ الْمَرْأَةُ الْمَنْسُوبَةُ إلَى قَبِيلَةٍ لَا نَسَبَ لَهَا مِنْهُمْ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا زَانِيَةً؛ لِجَوَازِ ثُبُوتِ نَسَبِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا زَانِي فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا، بَلْ أَنْتَ الزَّانِي، أَوْ قَالَ: لَا، بَلْ أَنْتَ - يُحَدَّانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَذَفَ صَاحِبَهُ صَرِيحًا، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَتْ: زَنَيْتُ بِكَ - لَا حَدَّ عَلَى الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ صَدَّقَتْهُ فِي الْقَذْفِ، فَخَرَجَ قَذْفُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْحَدِّ، وَتُحَدُّ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّهَا قَذَفَتْهُ بِالزِّنَا نَصًّا وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّصْدِيقُ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَتْ زَنَيْتُ مَعَكَ - لَا حَدَّ عَلَى الرَّجُلِ، وَلَا عَلَى الْمَرْأَةِ، أَمَّا عَلَى الرَّجُلِ؛ فَلِوُجُودِ التَّصْدِيقِ مِنْهَا إيَّاهُ.
وَأَمَّا عَلَى الْمَرْأَةِ؛ فَلِأَنَّ قَوْلَهَا زَنَيْتُ مَعَكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ زَنَيْتُ بِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ زَنَيْتُ بِحَضْرَتِكَ، فَلَا يُجْعَلُ قَذْفًا مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَتْ لَا، بَلْ أَنْتَ - حُدَّتْ الْمَرْأَةُ حَدَّ الْقَذْفِ، وَلَا لِعَانَ عَلَى الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ قَذَفَ صَاحِبَهُ، وَقَذْفُ الْمَرْأَةِ يُوجِبُ حَدَّ الْقَذْفِ، وَقَذْفُ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُدَّ.
وَفِي الْبِدَايَةِ بِحَدِّ الْمَرْأَةِ إسْقَاطُ الْحَدِّ عَنْ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالْأَيْمَانِ، وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ لَا شَهَادَةَ لَهُ وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالُوا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا زَانِيَةُ بِنْتُ الزَّانِيَةِ، فَخَاصَمَتْ الْأُمُّ أَوَّلًا فَحُدَّ الزَّوْجُ حَدَّ الْقَذْفِ - سَقَطَ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ خَاصَمَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا فَلَاعَنَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، ثُمَّ خَاصَمَتْ الْأُمُّ - يُحَدُّ الرَّجُلُ حَدَّ الْقَذْفِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَتْ زَنَيْتُ بِكَ - لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا زَنَيْتُ بِكَ أَيْ قَبْلَ النِّكَاحِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَيْ مَا مَكَّنْتُ مِنْ الْوَطْءِ غَيْرَكَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ زِنًا فَهُوَ زِنًا؛ لِأَنَّ هَذَا مُتَعَارَفٌ فَإِنْ أَرَادَتْ الْأَوَّلَ - لَا يَجِبُ اللِّعَانُ، وَيَجِبُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالزِّنَا وَإِنْ أَرَادَتْ بِهِ الثَّانِي - يَجِبُ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَذَفَهَا بِالزِّنَا، وَهِيَ لَمْ تُصَدِّقْهُ فِيمَا قَذَفَهَا بِهِ؛ وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا فَوَقَعَ الِاحْتِمَالُ فِي ثُبُوتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يَثْبُتُ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: أَنْتِ زَانِيَةٌ، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي - يُحَدُّ الرَّجُلُ.
وَلَا تُحَدُّ الْمَرْأَةُ، أَمَّا الرَّجُلُ؛ فَلِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِصَرِيحِ الزِّنَا وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا التَّصْدِيقُ.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ؛ فَلِأَنَّ قَوْلَهَا: أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِهِ النِّسْبَةَ إلَى الزِّنَا عَلَى التَّرْجِيحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْتَ أَقْدَرُ عَلَى الزِّنَا وَأَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْقَذْفِ مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِإِنْسَانٍ: أَنْتَ أَزْنَى النَّاسِ، أَوْ أَزْنَى الزُّنَاةِ، أَوْ أَزْنَى مِنْ فُلَانٍ - لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِمَا قُلْنَا
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: أَزْنَى النَّاسِ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: أَزْنَى مِنِّي أَوْ مِنْ فُلَانٍ، فَقَالَ فِي الْأَوَّلِ: يُحَدُّ، وَفِي الثَّانِي: لَا يُحَدُّ.
(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ لَهُ أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتَ أَزْنَى النَّاسِ، أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الصِّيغَةِ وَهُوَ التَّرْجِيحُ فِي وُجُودِ فِعْلِ الزِّنَا مِنْهُ؛ لِتَحَقُّقِ الزِّنَا مِنْ النَّاسِ فِي الْجُمْلَةِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي أَوْ مِنْ فُلَانٍ، لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّرْجِيحِ فِي وُجُودِ الزِّنَا؛ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الزِّنَا مِنْهُ أَوْ مِنْ فُلَانٍ، فَيُحْمَلُ عَلَى التَّرْجِيحِ فِي الْقُدْرَةِ أَوْ الْعِلْمِ، فَلَا يَكُونُ قَذْفًا بِالزِّنَا، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: زَنَيْتَ وَفُلَانٌ مَعَكَ - كَانَ قَاذِفًا لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَذَفَ أَحَدَهُمَا وَعَطَفَ الْآخَرَ عَلَيْهِ بِحَرْفِ " الْوَاوِ " وَأَنَّهَا لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ، فَكَانَ مُخْبِرًا عَنْ وُجُودِ الزِّنَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
رَجُلَانِ اسْتَبَّا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا أَبِي بِزَانٍ وَلَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ، لَمْ يَكُنْ هَذَا قَذْفًا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ نَفْيُ الزِّنَا عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أُمِّهِ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُكَنِّي بِهَذَا الْكَلَامِ عَنْ نِسْبَةِ أَبُ صَاحِبِهِ وَأُمِّهِ إلَى الزِّنَا.
لَكِنَّ الْقَذْفَ عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: أَنْتَ تَزْنِي لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِقْبَالِ وَيُسْتَعْمَلُ لِلْحَالِ، فَلَا يُجْعَلُ قَذْفًا مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتَ تَزْنِي وَأَنَا - أُضْرَبُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ فِي عُرْفِ النَّاسِ لَا يَدُلُّ عَلَى قَصْدِ الْقَذْفِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى طَرِيقِ ضَرْبِ الْمَثَلِ عَلَى الِاسْتِعْجَابِ أَنْ كَيْفَ تَكُونُ الْعُقُوبَةُ عَلَى إنْسَانٍ وَالْجِنَايَةُ مِنْ غَيْرِهِ؟ كَمَا قَالَ اللَّهُ ﵎ ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الإسراء: ١٥] وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: مَا رَأَيْتُ زَانِيَةً خَيْرًا مِنْكِ، أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: مَا رَأَيْتُ زَانِيًا خَيْرًا مِنْكَ - لَمْ يَكُنْ قَذْفًا؛ لِأَنَّهُ مَا جَعَلَ