للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يُقْطَعُ فِي التِّبْنِ، وَالْحَشِيشِ، وَالْقَصَبِ، وَالْحَطَبِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَتَمَوَّلُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ.

وَلَا يَظُنُّونَ بِهَا؛ لِعَدَمِ عِزَّتِهَا، وَقِلَّةِ خَطَرِهَا عِنْدَهُمْ، بَلْ يَعُدُّونَ الظِّنَّةَ بِهَا مِنْ بَابِ الْخُسَاسَةِ، فَكَانَتْ تَافِهَةً، وَلَا قَطْعَ فِي التُّرَابِ، وَالطِّينِ، وَالْجَصِّ، وَاللَّبِنِ، وَالنُّورَةِ، وَالْآجُرِّ، وَالْفَخَّارِ، وَالزُّجَاجِ؛ لِتَفَاهَتِهَا فَرَّقَ بَيْنَ التُّرَابِ، وَبَيْنَ الْخَشَبِ، حَيْثُ سَوَّى فِي التُّرَابِ بَيْنَ الْمَعْمُولِ مِنْهُ وَغَيْرِ الْمَعْمُولِ، وَفَرَّقَ فِي الْخَشَبِ؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِي الْخَشَبِ أَخْرَجَتْهُ عَنْ حَدِّ التَّفَاهَةِ، وَالصَّنْعَةَ فِي التُّرَابِ لَمْ تُخْرِجْهُ عَنْ كَوْنِهِ تَافِهًا، يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالرُّجُوعِ إلَى عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ فَصَّلَ فِي الْجَوَابِ فِي الزُّجَاجِ بَيْنَ الْمَعْمُولِ، وَغَيْرِ الْمَعْمُولِ، كَمَا فِي الْخَشَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الزُّجَاجَ بِالْعَمَلِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّ التَّفَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْكَسْرُ، بِخِلَافِ الْخَشَبِ.

وَلَا يُقْطَعُ فِي الْخَشَبِ إلَّا إذَا كَانَ مَعْمُولًا بِأَنْ صَنَعَ مِنْهُ أَبْوَابًا، أَوْ آنِيَةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ مَا خَلَا السَّاجَ، وَالْقَنَا، وَالْأَبَنُوسَ، وَالصَّنْدَلَ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَصْنُوعِ مِنْ الْخَشَبِ لَا يَتَمَوَّلُ عَادَةً، فَكَانَ تَافِهًا، وَبِالصَّنْعَةِ يَخْرُجُ عَنْ التَّفَاهَةِ فَيَتَمَوَّلُ.

وَأَمَّا السَّاجُ، وَالْأَبَنُوسُ، وَالصَّنْدَلُ فَأَمْوَالٌ لَهَا عِزَّةٌ وَخَطَرٌ عِنْدَ النَّاسِ فَكَانَتْ أَمْوَالًا مُطْلَقَةً.

(وَأَمَّا) الْعَاجُ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ إلَّا فِي الْمَعْمُولِ مِنْهُ، وَقِيلَ هَذَا الْجَوَابُ فِي الْعَاجِ الَّذِي هُوَ مِنْ عَظْمِ الْجَمَلِ، فَلَا يُقْطَعُ إلَّا فِي الْمَعْمُولِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَوَّلُ لِتَفَاهَتِهِ، وَيُقْطَعُ فِي الْمَعْمُولِ؛ لِخُرُوجِهِ عَنْ حَدِّ التَّفَاهَةِ بِالصَّنْعَةِ - كَالْخَشَبِ الْمَعْمُولِ - فَأَمَّا مَا هُوَ مِنْ عَظْمِ الْفِيلِ فَلَا يُقْطَعُ فِيهِ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ مَعْمُولًا، أَوْ غَيْرَ مَعْمُولٍ؛ لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي مَالِيَّتِهِ.

حَتَّى حَرَّمَ بَعْضُهُمْ بَيْعَهُ، وَالِانْتِفَاعَ بِهِ، فَأَوْجَبَ ذَلِكَ قُصُورًا فِي الْمَالِيَّةِ، وَلَا قَطْعَ فِي قَصَبِ النُّشَّابِ، فَإِنْ كَانَ اتَّخَذَ مِنْهُ نُشَّابًا قُطِعَ؛ لِمَا قُلْنَا فِي الْخَشَبِ، وَلَا قَطْعَ فِي الْقُرُونِ مَعْمُولَةً كَانَتْ، أَوْ غَيْرَ مَعْمُولَةٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: " إنْ كَانَتْ مَعْمُولَةً وَهِيَ تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ " قِيلَ إنَّ اخْتِلَافَ الْجَوَابِ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ، فَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ : فِي قُرُونِ الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ مُطْلَقٍ لِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي مَالِيَّتِهَا، وَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ : فِي قُرُونِ الْمُذَكَّى فَلَمْ يُوجِبْ الْقَطْعَ فِي غَيْرِ الْمَعْمُولِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ، وَأَوْجَبَ فِي الْمَعْمُولِ كَمَا فِي الْخَشَبِ الْمَعْمُولِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي جُلُودِ السِّبَاعِ الْمَدْبُوغَةِ: أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهَا فَإِنْ جُعِلَتْ مُصَلَّاةً، أَوْ بِسَاطًا قُطِعَ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَعْمُولِ مِنْهَا مِنْ أَجْزَاءِ الصَّيْدِ وَلَا قَطْعَ فِي الصَّيْدِ فَكَذَا فِي أَجْزَائِهِ، وَبِالصَّنْعَةِ صَارَتْ شَيْئًا آخَرَ فَأَشْبَهَ الْخَشَبَ الْمَصْنُوعَ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَعْتَدَّ، بِخِلَافِ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْفُقَهَاءِ: إنَّ جُلُودَ السِّبَاعِ لَا تَطْهُرُ بِالزَّكَاةِ، وَلَا بِالدِّبَاغِ، وَلَا قَطْعَ فِي الْبَوَارِي؛ لِأَنَّهَا تَافِهَةٌ لِتَفَاهَةِ أَصْلِهَا وَهُوَ الْقَصَبُ، وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ كَلْبٍ، وَلَا فَهْدٍ، وَلَا فِي سَرِقَةِ الْمَلَاهِي: مِنْ الطَّبْلِ، وَالدُّفِّ، وَالْمِزْمَارِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِمَّا لَا يَتَمَوَّلُ، أَوْ فِي مَالِيَّتِهَا قُصُورٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى كَاسِرِ الْمَلَاهِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَلَا عَلَى قَاتِلِ الْكَلْبِ، وَالْفَهْدِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ.

وَلَوْ سَرَقَ مُصْحَفًا، أَوْ صَحِيفَةً فِيهَا حَدِيثٌ، أَوْ عَرَبِيَّةٌ، أَوْ شِعْرٌ فَلَا قَطْعَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْطَعُ إذَا كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَدَّخِرُونَهَا وَيَعُدُّونَهَا مِنْ نَفَائِسِ الْأَمْوَالِ.

(وَلَنَا) أَنَّ الْمُصْحَفَ الْكَرِيمَ يُدَّخَرُ لَا لِلتَّمَوُّلِ، بَلْ لِلْقِرَاءَةِ، وَالْوُقُوفِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْعَمَلِ بِهِ، وَكَذَلِكَ صَحِيفَةُ الْحَدِيثِ، وَصَحِيفَةُ الْعَرَبِيَّةِ، وَالشِّعْرِ يُقْصَدُ بِهَا مَعْرِفَةُ الْأَمْثَالِ وَالْحِكَمِ لَا التَّمَوُّلِ.

(وَأَمَّا) دَفَاتِرُ الْحِسَابِ فَفِيهَا الْقَطْعُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا؛ لِأَنَّ مَا فِيهَا لَا يَصْلُحُ مَقْصُودًا بِالْأَخْذِ، فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ قَدْرُ الْبَيَاضِ مِنْ الْكَاغَدِ، وَكَذَلِكَ الدَّفَاتِرُ الْبِيضُ إذَا بَلَغَتْ نِصَابًا؛ لِمَا قُلْنَا، عَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -: " إنَّ كُلَّ مَا يُوجَدُ جِنْسُهُ تَافِهًا مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا قَطْعَ فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا عِزَّ لَهُ، وَلَا خَطَرَ فَلَا يَتَمَوَّلُ النَّاسُ، فَكَانَ تَافِهًا "، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَعْنَى التَّفَاهَةِ دُونَ الْإِبَاحَةِ؛ لِمَا نَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِي عَفْصٍ، وَلَا إهْلِيلَجَ، وَلَا أُشْنَانٍ وَلَا فَحْمٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُبَاحَةُ الْجِنْسِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.

وَهِيَ تَافِهَةٌ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي الْعَفْصِ، وَالْإِهْلِيلَجِ، وَالْأَدْوِيَةِ الْيَابِسَةِ، وَلَا قَطْعَ فِي طَيْرٍ وَلَا صَيْدٍ وَحْشِيًّا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الطَّيْرَ لَا يَتَمَوَّلُ عَادَةً، قَدْ رُوِيَ عَنْ - سَيِّدِنَا - عُثْمَانَ، وَسَيِّدِنَا - عَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا: " لَا قَطْعَ فِي الطَّيْرِ " وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ غَيْرِهِمَا خِلَافَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا، وَكَذَلِكَ مَا عُلِمَ مِنْ الْجَوَارِحِ فَصَارَ صَيُودًا فَلَا قَطْعَ عَلَى سُرَّاقِهِ؛ لِأَنَّهُ - وَإِنْ عُلِمَ - فَلَا يُعَدُّ مَالًا وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ

<<  <  ج: ص:  >  >>