للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَ فِيهَا حَافِظٌ، أَوْ كَانَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ نَائِمًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ حِرْزٌ بِنَفْسِهَا لَا بِالْحَافِظِ، وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ حِرْزًا بِالْإِذْنِ فَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْحَافِظِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا أُذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فَقَدْ صَارَ فِي حُكْمِ أَهْلِ الدَّارِ.

فَإِذَا أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ خَائِنٌ قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «لَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ» ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ مِنْ بَعْضِ بُيُوتِ الدَّارِ الْمَأْذُونِ فِي دُخُولِهَا، وَهُوَ مُقْفَلٌ، أَوْ مِنْ صُنْدُوقٍ فِي الدَّارِ، أَوْ مِنْ صُنْدُوقٍ فِي بَعْضِ الْبُيُوتِ، وَهُوَ مُقْفَلٌ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْبَيْتُ مِنْ جُمْلَةِ الدَّارِ الْمَأْذُونِ فِي دُخُولِهَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ الْوَاحِدَةَ حِرْزٌ وَاحِدٌ قَدْ خَرَجَتْ بِالْإِذْنِ لَهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ فَكَذَلِكَ بُيُوتُهَا، وَمَا رُوِيَ أَنَّ أَسْوَدَ بَاتَ عِنْدَ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَسَرَقَ حُلِيًّا لَهُمْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَسْرُوقًا مِنْ دَارِ النِّسَاءِ لَا مِنْ دَارِ الرِّجَالِ، وَالدَّارَانِ الْمُخْتَلِفَانِ إذَا أُذِنَ بِالدُّخُولِ فِي إحْدَاهُمَا لَا تَصِيرُ الْأُخْرَى مَأْذُونًا بِالدُّخُولِ فِيهَا، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَكُونُ حُجَّةً.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ كَانَ فِي حَمَّامٍ، أَوْ خَانٍ، وَثِيَابُهُ تَحْتَ رَأْسِهِ فَسَرَقَهَا سَارِقٌ: إنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ نَائِمًا أَوْ يَقْظَانًا، وَإِنْ كَانَ فِي صَحْرَاءَ، وَثَوْبُهُ تَحْتَ رَأْسِهِ قُطِعَ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ، وَهُوَ مَعَهُ فِي الْحَمَّامِ، أَوْ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ، وَهُوَ مَعَهُ فِي سَفِينَةٍ، أَوْ نَزَلَ قَوْمٌ فِي خَانٍ فَسَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى السَّارِقِ، وَكَذَلِكَ الْحَانُوتُ؛ لِأَنَّ الْحَمَّامَ، وَالْخَانَ، وَالْحَانُوتَ كُلُّ وَاحِدٍ حِرْزٌ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ حِرْزًا فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَافِظُ فَلَا يَصِيرُ حِرْزًا بِالْحَافِظِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: إذَا سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ لَيْلًا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يُؤْذَنُوا بِالدُّخُولِ فِيهِ لَيْلًا فَأَمَّا الصَّحْرَاءُ، أَوْ الْمَسْجِدُ - وَإِنْ كَانَ مَأْذُونَ الدُّخُولِ إلَيْهِ - فَلَيْسَ حِرْزًا بِنَفْسِهِ، بَلْ بِالْحَافِظِ، وَلَمْ يُوجَدْ الْإِذْنُ مِنْ الْحَافِظِ فَلَا يَبْطُلُ مَعْنَى الْحِرْزِ فِيهِ.

وَقَالُوا فِي السَّارِقِ مِنْ الْمَسْجِدِ: إذَا كَانَ ثَمَّةَ حَافِظٌ يُقْطَعُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَيْسَ بِحِرْزٍ بِنَفْسِهِ، بَلْ بِالْحَافِظِ، فَكَانَتْ الْبُقْعَةُ الَّتِي فِيهَا الْحَافِظُ هِيَ الْحِرْزُ لَا كُلُّ الْمَسْجِدِ فَإِذَا انْفَصَلَ مِنْهَا فَقَدْ انْفَصَلَ مِنْ الْحِرْزِ فَيُقْطَعُ.

(فَأَمَّا) الدَّارُ، فَإِنَّمَا صَارَتْ حِرْزًا بِالْبِنَاءِ، فَمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا لَمْ يُوجَدْ الِانْفِصَالُ مِنْ الْحِرْزِ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ سَرَقَ فِي السُّوقِ مِنْ حَانُوتٍ فَتَخَرَّبَ الْحَانُوتُ، وَقَعَدَ لِلْبَيْعِ، وَأُذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُقْطَعْ، وَكَذَلِكَ لَوْ سُرِقَ مِنْهُ، وَهُوَ مُغْلَقٌ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ لَمَّا أُذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ فَقَدْ أُخْرِجَ الْحَانُوتُ مِنْ أَنْ يَكُونَ حِرْزًا فِي حَقِّهِمْ، وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذَ مِنْ بَيْتِ قُبَّةٍ، أَوْ صُنْدُوقٍ فِيهِ مُقْفَلٌ؛ لِأَنَّ الْحَانُوتَ كُلَّهُ حِرْزٌ وَاحِدٌ كَالدَّارِ عَلَى مَا مَرَّ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ، وَمَعَهُ جُوَالِقُ وَضَعَهُ، وَنَامَ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ فَسَرَقَ مِنْهُ رَجُلٌ شَيْئًا، أَوْ سَرَقَ الْجُوَالِقَ: فَإِنِّي أَقْطَعُهُ؛ لِأَنَّ الْجَوَالِقَ بِمَا فِيهَا مُحْرَزٌ بِالْحَافِظِ فَيَسْتَوِي أَخْذُ جَمِيعِهِ، وَأَخْذُ بَعْضِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا سَرَقَ فُسْطَاطًا مَلْفُوفًا قَدْ، وَضَعَهُ، وَنَامَ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ أَنَّهُ يُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ مَضْرُوبًا لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَلْفُوفًا كَانَ مُحْرَزًا بِالْحَافِظِ كَالْبَابِ الْمَقْلُوعِ إذَا كَانَ فِي الدَّارِ فَسَرَقَهُ سَارِقٌ، وَإِذَا كَانَ الْفُسْطَاطُ مَضْرُوبًا كَانَ حِرْزًا بِنَفْسِهِ فَإِذَا سَرَقَهُ فَقَدْ سَرَقَ نَفْسَ الْحِرْزِ، وَنَفْسُ الْحِرْزِ لَيْسَ فِي الْحِرْزِ فَلَا يُقْطَعُ كَسَارِقِ بَابِ الدَّارِ وَلَوْ كَانَ الْجَوَالِقُ عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ فَشَقَّ الْجَوَالِقَ، وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْجُوَالِقَ حِرْزٌ؛ لِمَا فِيهِ.

وَإِنْ أَخَذَ الْجَوَالِقَ كَمَا هِيَ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ نَفْسَ الْحِرْزِ، وَكَذَلِكَ إذَا سَرَقَ الْجَمَلَ مَعَ الْجَوَالِقِ؛ لِأَنَّ الْحِمْلَ لَا يُوضَعُ عَلَى الْجَمَلِ لِلْحِفْظِ، بَلْ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْجَمَلَ لَيْسَ بِمُحْرِزٍ، وَإِنْ رَكِبَهُ صَاحِبُهُ فَلَمْ يَكُنْ الْجَمَلُ حِرْزًا لِلْجَوَالِقِ فَإِذَا أَخَذَ الْجَوَالِقَ فَقَدْ أَخَذَ نَفْسَ الْحِرْزِ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ الْمَرَاعِي بَعِيرًا، أَوْ بَقَرَةً، أَوْ شَاةً لَمْ يُقْطَعْ سَوَاءٌ كَانَ الرَّاعِي مَعَهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ سَرَقَ مِنْ الْعَطَنِ، أَوْ الْمُرَاحِ الَّذِي يَأْوِي إلَيْهِ يُقْطَعُ إذَا كَانَ مَعَهَا حَافِظٌ، أَوْ لَيْسَ مَعَهَا حَافِظٌ، غَيْرَ أَنَّ الْبَابَ مُغْلَقٌ فَكَسَرَ الْبَابَ، ثُمَّ دَخَلَ فَسَرَقَ بَقَرَةً قَادَهَا قَوْدًا حَتَّى أَخْرَجَهَا أَوْ سَاقَهَا سَوْقًا حَتَّى أَخْرَجَهَا، أَوْ رَكِبَهَا حَتَّى أَخْرَجَهَا؛ لِأَنَّ الْمَرَاعِيَ لَيْسَتْ بِحِرْزٍ لِلْمَوَاشِي.

وَإِنْ كَانَ الرَّاعِي مَعَهَا؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا مِنْ الرَّعْيِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْصُلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوَاشِيَ لَا تُجْعَلُ فِي مَرَاعِيهَا لِلْحِفْظِ، بَلْ لِلرَّعْيِ فَلَمْ يُوجَدْ الْأَخْذُ مِنْ حِرْزٍ، بِخِلَافِ الْعَطَنِ، أَوْ الْمُرَاحِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُقْصَدُ بِهِ الْحِفْظُ، وَوُضِعَ لَهُ، فَكَانَ حِرْزًا، وَقَالَ : «فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهَا، وَجَلَدَاتٌ نَكَالًا» فَإِذَا أَوَاهَا الْمُرَاحُ، وَبَلَغَتْ قِيمَتُهَا ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهَا الْقَطْعُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَلَا يُقْطَعُ عَبْدٌ فِي سَرِقَةٍ مِنْ مَوْلَاهُ مُكَاتَبًا كَانَ الْعَبْدُ، أَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ تَاجِرًا عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ أُمُّ وَلَدٍ سَرَقَتْ مِنْ مَالِ مَوْلَاهَا؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مَأْذُونُونَ بِالدُّخُولِ فِي بُيُوتِ سَادَاتِهِمْ لِلْخِدْمَةِ فَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>