يَكُنْ بَيْتُ مَوْلَاهُمْ حِرْزًا فِي حَقِّهِمْ.
وَذَكَرَ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ - سَيِّدِنَا - عُمَرَ، وَالْحَضْرَمِيَّ جَاءَا إلَى عُمَرَ ﵁ بِعَبْدٍ لَهُ فَقَالَ: اقْطَعْ هَذَا فَإِنَّهُ سَرَقَ فَقَالَ: وَمَا سَرَقَ قَالَ: مِرْآةً لِامْرَأَتِي ثَمَنُهَا سِتُّونَ دِرْهَمًا فَقَالَ - سَيِّدُنَا - عُمَرُ ﵁: أَرْسِلْهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ، خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ؛ فَيَكُونَ إجْمَاعًا، وَلَا قَطْعَ عَلَى خَادِمِ قَوْمٍ سَرَقَ مَتَاعَهُمْ، وَلَا عَلَى ضَيْفٍ سَرَقَ مَتَاعَ مَنْ أَضَافَهُ، وَلَا عَلَى أَجِيرٍ سَرَقَ مِنْ مَوْضِعٍ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالدُّخُولِ أَخْرَجَ الْمَوْضِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ، وَكَذَا الْأَجِيرُ إذَا أَخَذَ الْمَتَاعَ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي أَخْذِهِ مِنْ مَوْضِعٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِأَخْذِ الْمَتَاعِ يُورِثُ شُبْهَةَ الدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ، وَلِأَنَّ الْإِذْنَ بِالْأَخْذِ فَوْقَ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ، وَذَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ فَهَذَا أَوْلَى.
وَلَوْ سَرَقَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْمُؤَاجِرِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَنْزِلٍ عَلَى حِدَةٍ يُقْطَعُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي الْحِرْزِ.
وَأَمَّا الْمُؤَاجِرُ إذَا سَرَقَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَكَذَلِكَ يُقْطَعُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - وَعِنْدَهُمَا لَا يُقْطَعُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: أَنَّ الْحِرْزَ مِلْكُ السَّارِقِ فَيُورِثُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ شُبْهَةً فِي إبَاحَةِ الدُّخُولِ فَيَخْتَلُّ الْحِرْزُ فَلَا قَطْعَ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ مَعْنَى الْحِرْزِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمِلْكِ إذْ هُوَ اسْمٌ لِمَكَانٍ مُعَدٍّ لِلْإِحْرَازِ يُمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ إلَّا بِالْإِذْنِ، قَدْ وُجِدَ؛ لِأَنَّ الْمُؤَاجِرَ مَمْنُوعٌ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْمَنْزِلِ الْمُسْتَأْجَرِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ.
وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا وِلَادٌ، أَوْ لَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الْوَالِدَيْنِ، وَالْمَوْلُودَيْنِ كَذَلِكَ فَأَمَّا فِي غَيْرِهِمْ فَيُقْطَعُ، وَهُوَ عَلَى اخْتِلَافِ الْعِتْقِ، وَالنَّفَقَةِ، قَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدْخُلُ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ عَادَةً، وَذَلِكَ دَلَالَةُ الْإِذْنِ مِنْ صَاحِبِهِ فَاخْتَلَّ مَعْنَى الْحِرْزِ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ بِسَبَبِ السَّرِقَةِ فِعْلٌ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ.
وَذَلِكَ حَرَامٌ، وَالْمُفْضِي إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ وَلَوْ سَرَقَ جَمَاعَةٌ فِيهِمْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَسْرُوقِ لَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَيُقْطَعُ سِوَاهُ، وَالْكَلَامُ عَلَى نَحْوِ الْكَلَامِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ، أَوْ مَجْنُونٌ، قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ ذِي رَحِمٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ يُقْطَعُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاسَطَةَ بِالدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي هَذِهِ الْقَرَابَةِ عَادَةً، وَكَذَا هَذِهِ الْقَرَابَةُ لَا تَجِبُ صِيَانَتُهَا عَنْ الْقَطِيعَةِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ فِي الْعِتْقِ، وَالنَّفَقَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَلَوْ سَرَقَ مِنْ ذِي مَحْرَمٍ لَا رَحِمَ لَهُ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - يُقْطَعُ الَّذِي سَرَقَ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْ الرَّضَاعِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ لَا يُقْطَعُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ: أَنَّ الْمُبَاسَطَةَ بَيْنَهُمَا فِي الدُّخُولِ ثَابِتَةٌ عُرْفًا، وَعَادَةً فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَدْخُلُ فِي مَنْزِلِ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ كَمَا يَدْخُلُ فِي مَنْزِلِ أُمِّهِ مِنْ النَّسَبِ، بِخِلَافِ الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَلَهُمَا أَنَّ الثَّابِتَ بِالرَّضَاعِ لَيْسَ إلَّا الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ، وَأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَطْعِ كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ أُمِّ مَوْطُوءَتِهِ؛ وَلِهَذَا يُقْطَعُ فِي الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَةِ أَبِيهِ، أَوْ مِنْ زَوْجِ أُمِّهِ، أَوْ مِنْ حَلِيلَةِ ابْنِهِ، أَوْ مِنْ ابْنِ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتِهَا، أَوْ أُمِّهَا يُنْظَرُ إنْ سَرَقَ مَالَهُمْ مِنْ مَنْزِلِ مَنْ يُضَافُ السَّارِقُ إلَيْهِ مِنْ أَبِيهِ، وَأُمِّهِ، وَابْنِهِ، وَامْرَأَتِهِ لَا يُقْطَعُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ بِالدُّخُولِ فِي مَنْزِلِ هَؤُلَاءِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَنْزِلُ حِرْزًا فِي حَقِّهِ.
وَإِنْ سَرَقَ مِنْ مَنْزِلٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَا فِيهِ لَمْ يُقْطَعْ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْزِلٌ عَلَى حِدَةٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ -: لَا يُقْطَعُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ مِنْ غَيْرِ مَنْزِلِ السَّارِقِ، أَوْ مَنْزِلِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ﵏ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: أَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الْقَرَابَةُ، وَلَا قَرَابَةَ بَيْنَ السَّارِقِ، وَبَيْنَ الْمَسْرُوقِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ صَاحِبِهِ فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَطْعِ، كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ فِي الْحِرْزِ شُبْهَةً؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّزَاوُرِ ثَابِتٌ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ قَرِيبِهِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَنْزِلِ لِغَيْرِ قَرِيبِهِ لَا يَقْطَعُ التَّزَاوُرَ، وَهَذَا يُورِثُ شُبْهَةَ إبَاحَةِ الدُّخُولِ لِلزِّيَارَةِ فَيَخْتَلُّ مَعْنَى الْحِرْزِ، وَلَا قَطْعَ عَلَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ سَوَاءٌ سَرَقَ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي هُمَا فِيهِ، أَوْ مِنْ بَيْتٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدْخُلُ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِهِ، وَيَنْتَفِعُ بِمَالِهِ عَادَةً، وَذَلِكَ يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْحِرْزِ، وَفِي الْمِلْكِ أَيْضًا، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: إذَا سَرَقَ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي هُمَا فِيهِ لَا يُقْطَعُ، وَإِنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتٍ آخَرَ يُقْطَعُ، وَالْمَسْأَلَةُ مَرَّتْ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ عَبْدِ صَاحِبِهِ، أَوْ أَمَتِهِ، أَوْ مُكَاتَبِهِ، أَوْ سَرَقَ عَبْدُ أَحَدِهِمَا، أَوْ أَمَتُهُ، أَوْ مُكَاتَبُهُ مِنْ صَاحِبِهِ