للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَلْتُمْ بِهِ قَالَ: قَرَّبْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ فَقَالَ سَيِّدُنَا عُمَرُ : هَلَّا طَيَّنْتُمْ عَلَيْهِ بَيْتًا ثَلَاثًا، وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا، وَاسْتَتَبْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ وَيَرْجِعُ إلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي لَمْ أَحْضُرْ، وَلَمْ آمُرْ، وَلَمْ أَرْضَ إذْ بَلَغَنِي.

وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - أَنَّهُ قَالَ: يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ ثَلَاثًا، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [النساء: ١٣٧] وَلِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ حَمَلَتْهُ عَلَى الرِّدَّةِ، فَيُؤَجَّلُ ثَلَاثًا لَعَلَّهَا تَنْكَشِفُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، فَكَانَتْ الِاسْتِتَابَةُ ثَلَاثًا وَسِيلَةً إلَى الْإِسْلَامِ - عَسَى - فَنَدَبَ إلَيْهَا فَإِنْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِزَوَالِ عِصْمَتِهِ بِالرِّدَّةِ، وَتَوْبَتِهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَيَبْرَأَ عَنْ الدَّيْنِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ، فَإِنْ تَابَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثَانِيًا فَحُكْمُهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ كَحُكْمِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى أَنَّهُ إنْ تَابَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَكَذَا فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ؛ لِوُجُودِ الْإِيمَانِ ظَاهِرًا فِي كُلِّ كَرَّةٍ؛ لِوُجُودِ رُكْنِهِ، وَهُوَ إقْرَارُ الْعَاقِلِ وَقَالَ اللَّهُ ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٣٧] فَقَدْ أَثْبَتَ الْإِيمَانَ بَعْدَ وُجُودِ الرِّدَّةِ مِنْهُ، وَالْإِيمَانُ بَعْدَ وُجُودِ الرِّدَّةِ لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ، إلَّا أَنَّهُ إذَا تَابَ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ يَضْرِبُهُ الْإِمَامُ وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا تَابَ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ حَبَسَهُ الْإِمَامُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ السِّجْنِ حَتَّى يَرَى عَلَيْهِ أَثَرَ خُشُوعِ التَّوْبَةِ وَالْإِخْلَاصِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا يُبَاحُ دَمُهَا إذَا ارْتَدَّتْ، وَلَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا، وَلَكِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِجْبَارُهَا عَلَى الْإِسْلَامِ أَنْ تُحْبَسَ وَتَخْرُجَ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَتُسْتَتَابُ وَيُعْرَضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ وَإِلَّا حُبِسَتْ ثَانِيًا، هَكَذَا إلَى أَنْ تُسْلِمَ أَوْ تَمُوتَ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَزَادَ عَلَيْهِ - تُضْرَبُ أَسْوَاطًا فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَعْزِيرًا لَهَا عَلَى مَا فَعَلَتْ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُقْتَلُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلِأَنَّ عِلَّةَ إبَاحَةِ الدَّمِ هُوَ الْكُفْرُ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَلِهَذَا قُتِلَ الرَّجُلُ وَقَدْ وُجِدَ مِنْهَا ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْحَرْبِيَّةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْكُفْرَ بَعْدَ الْإِيمَانِ أَغْلَظُ مِنْ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا رُجُوعٌ بَعْدَ الْقَبُولِ وَالْوُقُوفِ عَلَى مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَحُجَجِهِ، وَذَلِكَ امْتِنَاعٌ مِنْ الْقَبُولِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْوُقُوفِ دُونَ حَقِيقَةِ الْوُقُوفِ، فَلَا يَسْتَقِيمُ الِاسْتِدْلَال.

(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «لَا تَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلَا وَلَيَدًا» وَلِأَنَّ الْقَتْلَ إنَّمَا شُرِعَ وَسِيلَةً إلَى الْإِسْلَامِ بِالدَّعْوَةِ إلَيْهِ بِأَعْلَى الطَّرِيقَيْنِ عِنْدَ وُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْ إجَابَتِهَا بِأَدْنَاهُمَا، وَهُوَ دَعْوَةُ اللِّسَانِ بِالِاسْتِتَابَةِ، بِإِظْهَارِ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَالنِّسَاءُ أَتْبَاعُ الرِّجَالِ فِي إجَابَةِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ فِي الْعَادَةِ، فَإِنَّهُنَّ فِي الْعَادَاتِ الْجَارِيَةِ يُسْلِمْنَ بِإِسْلَامِ أَزْوَاجِهِنَّ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ وَكَانَتْ تَحْتَهُ خَمْسُ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَقَعُ شَرْعُ الْقَتْلِ فِي حَقِّهَا وَسِيلَةً إلَى الْإِسْلَامِ، فَلَا يُفِيدُ وَلِهَذَا لَمْ تُقْتَلْ الْحَرْبِيَّةُ بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَتْبَعُ رَأْيَ غَيْرِهِ، خُصُوصًا فِي أَمْرِ الدِّينِ بَلْ يَتْبَعُ رَأْيَ نَفْسِهِ، فَكَانَ رَجَاءُ الْإِسْلَامِ مِنْهُ ثَابِتًا، فَكَانَ شَرْعُ الْقَتْلِ مُفِيدًا، فَهُوَ الْفَرْقُ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الذُّكُورِ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّنَاقُضِ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ إذَا ارْتَدَّتْ لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا، وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا إنْ احْتَاجَ إلَى خِدْمَتِهَا، وَيَحْبِسُهَا فِي بَيْتِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِيهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ قَائِمٌ، وَهِيَ مَجْبُورَةٌ عَلَى الْإِسْلَامِ شَرْعًا فَكَانَ الرَّفْعُ إلَى الْمَوْلَى رِعَايَةً لِلْحَقَّيْنِ، وَلَا يَطَؤُهَا؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ لَا يُقْتَلُ، وَإِنْ صَحَّتْ رِدَّتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْبَالِغِ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ وَالدَّعْوَةِ إلَى الْإِسْلَامِ بِاللِّسَانِ وَإِظْهَارِ حُجَجِهِ وَإِيضَاحِ دَلَائِلِهِ لِظُهُورِ الْعِنَادِ وَوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْ فَلَاحِهِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الصَّبِيِّ فَكَانَ الْإِسْلَامُ مِنْهُ مَرْجُوًّا وَالرُّجُوعُ إلَى الدِّينِ مِنْهُ مَأْمُولًا، فَلَا يُقْتَلُ وَلَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ يَكْفِيهِ وَسِيلَةً إلَى الْإِسْلَامِ، وَعَلَى هَذَا: صَبِيٌّ أَبَوَاهُ مُسْلِمَانِ حَتَّى حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ، فَبَلَغَ كَافِرًا وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِاللِّسَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يُقْتَلُ؛ لِانْعِدَامِ الرِّدَّةِ مِنْهُ إذْ هِيَ اسْمٌ لِلتَّكْذِيبِ بَعْدَ سَابِقَةِ التَّصْدِيقِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّصْدِيقُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَصْلًا لِانْعِدَامِ دَلِيلِهِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ ارْتَدَّ يُقْتَلُ لِوُجُودِ الرِّدَّةِ مِنْهُ بِوُجُودِ دَلِيلِهَا وَهُوَ الْإِقْرَارُ، فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْجُودُ مِنْهُ رِدَّةً حَقِيقَةً فَلَا يُقْتَلُ، وَلَكِنَّهُ يُحْبَسُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ؟ وَالْحُكْمُ فِي إكْسَابِهِ كَالْحُكْمِ فِي إكْسَابِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ حُكْمًا وَسَنَذْكُرُ الْكَلَامَ فِي إكْسَابِ الْمُرْتَدِّ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ - اللَّهُ تَعَالَى.

وَمِنْهَا حُرْمَةُ الِاسْتِرْقَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>