للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّوْبِ مِنْ الْأَلْفِ لَيْسَ عَلَيْهِ فَكَانَ الْمُرَادُ قَدْرَ قِيمَتِهِ أَيْ مِقْدَارَ قِيمَةِ الثَّوْبِ لَيْسَ عَلَيَّ مِنْ الْأَلْفِ.

وَجْهُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِنَصِّ الِاسْتِثْنَاءِ إلَّا بَيَانُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمُسْتَثْنَى لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي إذَا كَانَ ثَابِتًا فَكَانَ انْعِدَامُ حُكْمِ نَصِّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْمُسْتَثْنَى لِانْعِدَامِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ إيَّاهُ لَا لِلْمُعَارَضَةِ مَعَ مَا أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمُعَارَضَةِ فَاسِدٌ؛ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُقَارِنٌ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَكَانَتْ الْمُعَارَضَةُ مُنَاقِضَةً.

وَالثَّانِي أَنَّ الْمُعَارَضَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِدَلِيلٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ، وَنَصُّ الِاسْتِثْنَاءِ لَيْسَ بِنَصٍّ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ فَلَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا إلَّا أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إلَّا كَذَا فَإِنَّهُ كَذَا، وَهَذَا تَغْيِيرٌ وَمَهْمَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ كَانَ أَوْلَى وَالثَّالِثُ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمُعَارَضَةِ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْإِقْرَارِ، وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا يَصِحُّ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَلَيْسَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَإِذَا كَانَ بَيَانًا فَمَعْنَى الْبَيَانِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إمَّا فِي الِاسْمِ أَوْ فِي احْتِمَالِ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَمْ يُوجَدْ هَهُنَا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُمْ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ - مَحْمُولٌ عَلَى الظَّاهِرِ إذْ هُوَ فِي الظَّاهِرِ كَذَلِكَ دُونَ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَجْهَ إحَالَتِهِ فَيَكُونُ بَيَانًا حَقِيقَةً نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا جَمْعًا بَيْنَ النَّقْلَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَأَمَّا) الْكَلَامُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اسْتِخْرَاجُ بَعْضِ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ تَحْتَ نَصِّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْجِنْسِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى ثَوْبًا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ قَوْلِهِ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، عَشَرَةٌ مَوْصُوفَةٌ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ مُطْلَقًا مُسَمَّاةٌ بِالدَّرَاهِمِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْمُجَانَسَةِ فِي اسْمِ الدَّرَاهِمِ أَمْكَنَ تَحْقِيقُهَا فِي الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ فِي احْتِمَالِ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجِبُ دَيْنًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ حَالًّا بِالِاسْتِقْرَاضِ وَالِاسْتِهْلَاكِ كَمَا تَجِبُ سَلَمًا وَثَمَنًا حَالًّا كَالدَّرَاهِمِ.

(فَأَمَّا) الثَّوْبُ فَلَا يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ فِي الذِّمَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ سَلَمًا أَوْ ثَمَنًا مُؤَجَّلًا (فَأَمَّا) مَا لَا يَحْتَمِلُهُ اسْتِقْرَاضًا وَاسْتِهْلَاكًا وَثَمَنًا حَالًّا غَيْرَ مُؤَجَّلِ فَأَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْمُجَانَسَةِ بَيْنَهُمَا فِي وَصْفِ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي اسْمِ الدَّرَاهِمِ فَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي تَحَقُّقِ مَعْنَاهُ وَهُوَ الْبَيَانُ مِنْ وَجْهٍ، وَلَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الثِّيَابِ وَالدَّرَاهِمِ لَا فِي الِاسْمِ وَلَا فِي احْتِمَالِ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَانْعَدَمَ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ أَصْلًا فَهُوَ الْفَرْقُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَلَوْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِدَارٍ وَاسْتَثْنَى بِنَاءَهَا لِنَفْسِهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ لَا يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ لُغَةً بَلْ وُضِعَ دَلَالَةً عَلَى الْعَرْصَةِ فِي اللُّغَةِ، وَإِنَّمَا الْبِنَاءُ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الصِّفَةِ فَلَمْ يَكُنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَتَكُونُ الدَّارُ مَعَ الْبِنَاءِ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ اسْمًا عَامًّا لَكِنَّهُ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأَجْزَاءَ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ كَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِخَاتَمٍ كَانَ لَهُ الْحَلْقَةُ وَالْفَصُّ لَا لِأَنَّهُ اسْمٌ عَامٌّ بَلْ هُوَ اسْمٌ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْحَلْقَةِ وَالْفَصِّ وَلَكِنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ وَكَذَا مَنْ أَقَرَّ بِسَيْفٍ لِغَيْرِهِ كَانَ لَهُ النَّصْلُ وَالْجَفْنُ وَالْحَمَائِلُ لِمَا قُلْنَا وَكَذَا مَنْ أَقَرَّ بِحَجْلَةٍ كَانَ لَهُ الْعِيدَانُ وَالْكِسْوَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى رُبُعَ الدَّارِ أَوْ ثُلُثَهَا أَوْ شَيْئًا مِنْهَا أَنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ فَكَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَصَحَّ.

وَلَوْ قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَالْعَرْصَةُ لِفُلَانٍ صَحَّ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبِنَاءِ لَا يَتَنَاوَلُ الْعَرْصَةَ إذْ هِيَ اسْمٌ لِلْبُقْعَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ إذَا وَرَدَ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمَلْفُوظَةِ، فَأَمَّا إذَا وَرَدَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الدَّاخِلَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ يَكُونُ اسْتِثْنَاءً مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَقْرَبُ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ فَيُصْرَفُ الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي إلَيْهِ وَيُجْعَلُ الْبَاقِي مِنْهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْجُمْلَةِ الْمَلْفُوظَةِ وَعَلَى هَذَا إذَا وَرَدَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَإِنْ كَثُرَ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يُصْرَفَ كُلُّ اسْتِثْنَاءٍ إلَى مَا يَلِيهِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ فَيُبْدَأُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَخِيرِ فَيُسْتَثْنَى الْبَاقِي مِمَّا يَلِيهِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى الْبَاقِي مِمَّا يَلِيهِ ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى الْبَاقِي هَكَذَا إلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى الْبَاقِي مِنْهُ فَيُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ الْجُمْلَةِ الْمَلْفُوظَةِ فَمَا بَقِيَ مِنْهَا فَهُوَ الْقَدْرُ الْمُقَرُّ بِهِ.

بَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا يَكُونُ إقْرَارًا بِثَمَانِيَةِ دَرَاهِمَ لِأَنَّا صَرْفنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>