للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاسْتِثْنَاءَ الْأَخِيرَ إلَى مَا يَلِيهِ فَبَقِيَ دِرْهَمَانِ يَسْتَثْنِيهِمَا مِنْ الْعَشَرَةِ فَيَبْقَى ثَمَانِيَةٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ خَبَرًا عَنْ الْمَلَائِكَة ﴿قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ﴾ [الحجر: ٥٨] ﴿إِلا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر: ٥٩] ﴿إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [الحجر: ٦٠] اسْتَثْنَى اللَّهُ آلَ لُوطٍ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ لَا مِنْ الْمُجْرِمِينَ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْجِنْسِ وَآلُ لُوطٍ لَمْ يَكُونُوا مُجْرِمِينَ ثُمَّ اسْتَثْنَى امْرَأَتَهُ مِنْ آلِهِ فَبَقِيَتْ فِي الْغَابِرِينَ.

وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا يَكُونُ إقْرَارًا بِسَبْعَةٍ لِأَنَّا جَعَلْنَا الدِّرْهَمَ مُسْتَثْنًى مِمَّا يَلِيهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ فَبَقِيَ دِرْهَمَانِ اسْتَثْنَاهُمَا مِنْ خَمْسَةٍ فَبَقِيَ ثَلَاثَةٌ اسْتَثْنَاهَا مِنْ الْجُمْلَةِ الْمَلْفُوظَةِ فَبَقِيَ سَبْعَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا سَبْعَةَ دَرَاهِمَ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا يَكُونُ إقْرَارًا بِسِتَّةٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَصْلِ وَهَذَا الْأَصْلُ لَا يُخْطِئُ فِي إيرَادِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَإِنْ كَثُرَ هَذَا إذَا كَانَ الْأَصْلُ مُتَّصِلًا بِالْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْهَا بِأَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ إلَّا دِرْهَمًا لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَصِحُّ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ النَّاسِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَيَانٌ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَصِحُّ مُتَّصِلًا وَمُنْفَصِلًا كَبَيَانِ الْمُجْمَلِ وَالتَّخْصِيصِ لِلْعَامِّ عِنْدَنَا.

وَجْهُ قَوْلِ الْعَامَّةِ أَنَّ صِيغَةَ الِاسْتِثْنَاءِ إذَا انْفَصَلَتْ عَنْ الْجُمْلَةِ الْمَلْفُوظَةِ لَا تَكُونُ كَلَامَ اسْتِثْنَاءٍ لُغَةً؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ مَا تَكَلَّمَتْ بِهِ أَصْلًا، وَلَوْ اشْتَغَلَ بِهِ أَحَدٌ يُضْحَكُ عَلَيْهِ كَمَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا، ثُمَّ قَالَ: بَعْدَ شَهْرٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُعَدُّ ذَلِكَ تَعْلِيقًا بِالْمَشِيئَةِ حَتَّى لَا يَصِحَّ، كَذَا هَذَا وَالرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا تَكَادُ تَصِحُّ، بِخِلَافِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ وَالْعَامِّ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِذَلِكَ مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَهُمْ مُتَّصِلًا وَمُنْفَصِلًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَعَلَى هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ تَكْرِيرَ صِيغَةِ التَّحْرِيرِ لَغْوٌ فَكَانَ فِي مَعْنَى السَّكْتَةِ وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ وَقَفِيزَ شَعِيرٍ، لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ كُرِّ الْحِنْطَةِ بِالِاتِّفَاقِ لِانْصِرَافِ كُرِّ الْحِنْطَةِ إلَى جِنْسِهِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً لِلْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فَلَمْ يَصِحَّ، وَهَلْ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْقَفِيزِ مِنْ الشَّعِيرِ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ كُرِّ الْحِنْطَةِ فَقَدْ لَغَا فَكَأَنَّهُ سَكَتَ ثُمَّ اسْتَثْنَى قَفِيزَ شَعِيرٍ فَلَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ أَصْلًا، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) الِاسْتِدْرَاكُ فَهُوَ فِي الْأَصْلِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْقَدْرِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الصِّفَةِ فَإِنْ كَانَ فِي الْقَدْرِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْجِنْسِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ، فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ أَلْفَانِ فَعَلَيْهِ أَلْفَانِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ.

(وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّ قَوْلَهُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إقْرَارٌ بِأَلْفٍ وَقَوْلُهُ لَا رُجُوعَ وَقَوْلُهُ بَلْ اسْتِدْرَاكٌ، وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالِاسْتِدْرَاكُ صَحِيحٌ فَأَشْبَهَ الِاسْتِدْرَاكَ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ وَكَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ أَنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ وَالْمُخْبَرُ عَنْهُ مِمَّا يَجْرِي الْغَلَطُ فِي قَدْرِهِ أَوْ وَصْفِهِ عَادَةً فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى اسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ فِيهِ فَيُقْبَلُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا فِيهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُقَرِّ بِهِ فَتُقْبَلُ مِنْهُ بِخِلَافِ الِاسْتِدْرَاكِ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْغَلَطَ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ لَا يَقَعُ عَادَةً فَلَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى اسْتِدْرَاكِهِ.

وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْشَاءُ الطَّلَاقِ لُغَةً وَشَرْعًا، وَالْإِنْشَاءُ لَا يَحْتَمِلُ الْغَلَطَ حَتَّى لَوْ كَانَ إخْبَارًا بِأَنْ قَالَ لَهَا: كُنْتُ طَلَّقْتُكِ أَمْسِ وَاحِدَةً لَا بَلْ اثْنَتَيْنِ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا إلَّا طَلَاقَانِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ لَا بَلْ كُرَّانِ وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ أَلْفَانِ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي النُّقْصَانِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِدْرَاكُهُ مَعَ مَا أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْغَلَطِ نَادِرٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِدْرَاكِهِ لِالْتِحَاقِهِ بِالْعَدَمِ.

(وَأَمَّا) فِي خِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ مِائَةُ دِينَارٍ أَوْ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ لَا بَلْ كُرُّ شَعِيرٍ لَزِمَهُ الْكُلُّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْغَلَطِ لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا، وَالنَّادِرُ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ هَذَا إذَا وَقَعَ الِاسْتِدْرَاكُ فِي قَدْرِ الْمُقَرِّ بِهِ (فَأَمَّا) إذَا وَقَعَ فِي صِفَةِ الْمُقَرِّ بِهِ بِأَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِيضٌ لَا بَلْ سُودٌ يُنْظَرُ فِيهِ إلَى أَرْفَعِ الصِّفَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي زِيَادَةِ الصِّفَةِ مُتَّهَمٌ فِي النُّقْصَانِ فَكَانَ مُسْتَدْرِكًا فِي الْأَوَّلِ رَاجِعًا فِي الثَّانِي فَيَصِحُّ اسْتِدْرَاكُهُ وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ كَمَا فِي الْأَلْفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>