للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبْلَ الْعِتْقِ مُنْكِرًا وُجُوبَ الضَّمَانِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ مَا أَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْوَطْءِ أَنْ لَا يَكُونَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ إتْلَافُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ، وَالْأَصْلُ فِي الْمَنَافِعِ أَنْ لَا تَكُونَ مَضْمُونَةً بِالْإِتْلَافِ فَتَرَجَّحَ خَبَرُ الْمَوْلَى بِشَهَادَةِ الْأَصْلِ لَهُ فَكَانَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ كَمَا فِي الْإِخْبَارِ عَنْ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ فَأَمَّا الْأَصْلُ فِي أَخْذِ الْمَالِ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْعَبْدِ وَكَذَلِكَ الْغَلَّةُ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَنَافِعُ فِي الْأَصْلِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَم وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَأْمَنَ الْحَرْبِيُّ أَوْ صَارَ ذِمَّةً فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ: أَخَذْتُ مِنْكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنْتَ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَقَالَ لَهُ الْمُقِرُّ: لَا بَلْ أَخَذْتَهُ وَأَنَا مُسْتَأْمَنٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْأَلْفُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهِمَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ وَيُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ أَخَذْتُ مِنْكَ أَلْفًا فَاسْتَهْلَكْتَهَا وَأَنْتَ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ قَالَ قَطَعْت يَدَك وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَا بَلْ فَعَلْت وَأَنَا مُسْتَأْمَنٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ وَيَضْمَنُ لَهُ الْمُقِرُّ مَا قَطَعَ وَأَتْلَفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا (وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّ الْمَوْلَى مُنْكِرٌ وُجُوبَ الضَّمَانِ لِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلْوُجُوبِ وَهِيَ حَالَةُ الْحِرَابِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ.

(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلْعَبْدِ إذْ الْعِصْمَةُ أَصْلٌ فِي النُّفُوسِ، وَالسُّقُوطُ بِعَارِضِ الْمُسْقِطِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْأَصْلُ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَزْنَ يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ وَزْنًا لَا عَدَدًا لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ فِي الْأَصْلِ مَوْزُونَةٌ إلَّا إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي بَلْدَةٍ دَرَاهِمُهَا عَدَدِيَّةٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْعَدَدِ الْمُتَعَارَفِ إذَا ذَكَرَ الْعَدَدَ بِأَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ عَدَدًا يَلْزَمُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَزْنًا وَيَلْغُو ذِكْرُ الْعَدَدِ وَيَقَعُ عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ أَهْلُ الْبَلَدِ مِنْ الْوَزْنِ وَهُوَ فِي دِيَارِنَا وَخُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ وَزْنُ سَبْعَةٍ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةَ مَثَاقِيلَ فَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ يَلْزَمُهُ بِهَذَا الْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي بَلَدٍ يَتَعَامَلُونَ فِيهِ بِدَرَاهِمَ وَزْنُهَا يَنْقُصُ عَنْ وَزْنِ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ يَقَعُ إقْرَارُهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَزْنِ لِانْصِرَافِ مُطْلَقِ الْكَلَامِ إلَى الْمُتَعَارَفِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى وَزْنًا أَقَلَّ مِنْ وَزْنِ بَلَدِهِ يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ يَكُونُ رُجُوعًا.

وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ أَوْزَانٌ مُخْتَلِفَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَالِبُ كَمَا فِي نَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ اسْتَوَتْ يُحْمَلْ عَلَى الْأَقَلِّ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَالزِّيَادَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا وَالْوُجُوبُ فِي الذِّمَّةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَالْوُجُوبُ فِي أَقَلِّهِ لَمْ يَكُنْ فَمَتَى وَقَعَ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِهِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ وَلَوْ سَمَّى زِيَادَةً عَلَى وَزْنِ الْبَلَدِ أَوْ أَنْقَصَ مِنْهُ بِأَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَزْنُ خَمْسَةٍ، إنْ كَانَ مَوْصُولًا يُقْبَلْ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَاحْتَمَلَ الْبَيَانَ الْمَوْصُولَ، وَلَا يُصَدَّقُ إذَا فَصَلَ لِانْصِرَافِ الْأَفْهَامِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى وَزْنِ الْبَلَدِ فَكَانَ الْإِخْبَارُ عَنْ غَيْرِهِ رُجُوعًا فَلَا يَصِحُّ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَاقِيلَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى الْوَزْنِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّيَادَةِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ وَلَوْ أَقَرَّ وَهُوَ بِبَغْدَادَ فَقَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ طَبَرِيَّةٍ يَلْزَمُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ طَبَرِيَّةٍ لَكِنْ بِوَزْنِ سَبْعَةٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَبَرِيَّةٍ خَرَجَ وَصْفًا لِلدَّرَاهِمِ أَيْ دَرَاهِمَ مَنْسُوبَةٍ إلَى طَبَرِسْتَانَ فَلَا يُوجِبُ تَغْيِيرَ وَزْنِ الْبَلَدِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ مَوْصِلِيَّةٍ، وَالْمُقِرُّ بِبَغْدَادَ يَلْزَمُهُ كُرُّ حِنْطَةٍ مَوْصِلِيَّةٍ لَكِنْ بِكَيْلِ بَغْدَادَ لِمَا قُلْنَا.

وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِينَارٌ شَامِيٌّ أَوْ كُوفِيٌّ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ دِينَارًا وَاحِدًا وَزْنُهُ مِثْقَالٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ دِينَارَيْنِ وَزْنُهُمَا جَمِيعًا مِثْقَالٌ، بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ أَنَّهُ إذَا أَعْطَاهُ دِرْهَمَيْنِ صَغِيرَيْنِ مَكَانَ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ كَبِيرٍ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ كَذَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ وَكَانَ فِي عُرْفِهِمْ أَنَّ الدِّينَارَ إذَا كَانَ نَاقِصَ الْوَزْنِ يَكُونُ نَاقِصَ الْقِيمَةِ فَكَانَ نُقْصَانُ الْوَزْنِ فِيهِ وَضِيعَةً، كَذَلِكَ اُعْتُبِرَ الْوَزْنُ وَالْعَدَدُ جَمِيعًا وَفِي الدَّرَاهِمِ بِخِلَافٍ فَأَمَّا فِي عُرْفِ دِيَارِنَا فَالْعِبْرَةُ لِلْوَزْنِ، فَسَوَاءٌ أَعْطَاهُ دِينَارًا وَاحِدًا أَوْ دِينَارَيْنِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُمَا مِثْقَالًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ قَفِيزُ حِنْطَةٍ فَهُوَ بِقَفِيزِ الْبَلَدِ، وَكَذَلِكَ الْأَوْقَارُ وَالْأَمْنَانُ لِمَا قُلْنَا فِي الدَّرَاهِمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الَّذِي يَدْخُلُ عَلَى قَدْرِ الْمُقَرِّ بِهِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ مَجْهُولَ الْقَدْرِ وَأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَذْكُرَ عَدَدًا وَاحِدًا وَإِمَّا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ عَدَدَيْنِ، فَالْأَوَّلُ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ فَكَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ، وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا شَكٌّ وَحُكْمُ الْإِقْرَارِ لَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ.

وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ دُرَيْهِمٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>