للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ الْقَطْعُ خَطَأً جَازَ النِّكَاحُ، وَصَارَ دَمُ الزَّوْجِ مَهْرًا لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَتْ بِهِ السِّرَايَةُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ قَتْلًا مُوجِبًا لِلدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَكَانَ التَّزَوُّجُ عَلَى مُوجَبِ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ الدِّيَةُ، وَسَقَطَتْ عَنْ الْعَاقِلَةِ لِصَيْرُورَتِهَا مَهْرًا لَهَا، وَهَذَا إذَا كَانَ وَقْتَ النِّكَاحِ صَحِيحًا، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَبِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ يَسْقُطُ عَنْ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَبَرِّعٍ فِي هَذَا الْقَدْرِ.

(وَأَمَّا) الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ يَسْقُطُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَبِقَدْرِ الثُّلُثِ يَسْقُطُ أَيْضًا، وَالزِّيَادَةُ تَكُونُ لِلزَّوْجِ تَرْجِعُ إلَى وَرَثَتِهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ خُرُوجُ الزِّيَادَةِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالزِّيَادَةِ، وَهُوَ مَرِيضٌ مَرَضَ الْمَوْتِ، هَذَا فِي الْخَطَأِ.

(وَأَمَّا) فِي الْعَمْدِ جَازَ النِّكَاحُ، وَصَارَ عَفْوًا.

(وَأَمَّا) جَوَازُ النِّكَاحِ فَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ لَا يَقِفُ عَلَى تَسْمِيَةِ مَا هُوَ مَالٌ.

(وَأَمَّا) صَيْرُورَةُ النِّكَاحِ عَلَى الْقِصَاصِ عَفْوًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْقِصَاصِ فَقَدْ أَزَالَ حَقَّهُ عَنْهُ، وَأَسْقَطَهُ وَهَذَا مَعْنَى الْعَفْوِ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ مِنْ تَرِكَةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمَهْرِ، وَالْقِصَاصُ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَيَجِبُ لَهَا الْعِوَضُ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْجِرَاحَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَهُمَا فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَطَلَ الْعَفْوُ إذَا كَانَ عَمْدًا، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ مِنْ مَالِهَا، فَيَتَنَاقَصَانِ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَتَضْمَنُ الْمَرْأَةُ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ، وَلَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ، وَلَا مِيرَاثَ لِلْقَاتِلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَلَوْ كَانَ مَكَانَ النِّكَاحِ خُلْعٌ بِأَنْ قَطَعَ يَدَ امْرَأَتِهِ أَوْ جَرَحَهَا جِرَاحَةً فَخَلَعَهَا عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا إنْ بَرِئَتْ جَازَ الْخُلْعُ، وَكَانَ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ خَلَعَهَا عَلَى أَرْشِ الْيَدِ، فَصَحَّ الْخُلْعُ، وَصَارَ أَرْشُ الْيَدِ بَدَلَ الْخُلْعِ، وَالْخُلْعُ عَلَى مَالٍ طَلَاقٌ بَائِنٌ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْعَمْدُ، وَالْخَطَأُ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ، وَكَانَ خَطَأً، فَإِنْ ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجِنَايَةِ أَوْ بِلَفْظِ الْجِرَاحَةِ، وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا جَازَ الْخُلْعُ، وَيَكُونُ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْفِعْلَ وَقَعَ قَتْلًا، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ مُوجِبًا لِلدِّيَةِ، فَكَانَ الْخُلْعُ وَاقِعًا عَلَى مَالِهِ، وَهُوَ الدِّيَةُ، فَيَصِحُّ، وَيَكُونُ بَائِنًا، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَحِيحَةً وَقْتَ الْخُلْعِ جَازَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَتْ مَرِيضَةً صَارَتْ الدِّيَةُ بَدَلَ الْخُلْعِ، وَيُعْتَبَرُ خُرُوجُ جَمِيعِ الدِّيَةِ مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ هُنَاكَ خُرُوجُ الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَ حَالُ دُخُولِ الْبُضْعِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ، وَهَذِهِ حَالَةُ الْخُرُوجِ، وَالْبُضْعُ يُعَدُّ مَالًا حَالَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ، وَلَا يُعَدُّ مَالًا حَالَ الْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ عَنْ الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ يَسْقُطُ، وَالثُّلُثَانِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ هَذَا فِي الْخَطَأِ، فَأَمَّا فِي الْعَمْدِ جَازَ الْعَفْوُ، وَلَا يَكُونُ مَالًا، وَخُلْعُهَا بِغَيْرِ مَالٍ يَكُونُ رَجْعِيًّا، وَإِنْ كَانَ الْخُلْعُ بِلَفْظِ الْجِرَاحَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا فَعِنْدَهُمَا: كَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ، وَتَجِبُ جَمِيعُ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ فِي الْعَمْدِ، وَفِي الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَيَكُونُ الْخُلْعُ بِغَيْرِ مَالٍ فَيَكُونُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَمِنْهَا الصُّلْحُ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ لِلْمَوْلَى، وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي حَقِّهِ اسْتِيفَاءً وَإِسْقَاطًا إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْقَاطِ، وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لِلسُّقُوطِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ فَيَمْلِكُ الصُّلْحَ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، وَهُوَ الْحَيَاةُ، يَحْصُلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ عِنْدَ أَخْذِ الْمَالِ عَنْ صُلْحٍ، وَتَرَاضٍ تَسْكُنُ الْفِتْنَةُ فَلَا يَقْصِدُ الْوَلِيُّ قَتْلَ الْقَاتِلِ، فَلَا يَقْصِدُ الْقَاتِلَ قَتْلَهُ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بِدُونِهِ، وَقِيلَ إنَّ قَوْلَهُ ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾ [البقرة: ١٧٨] الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ وَسَوَاءٌ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهَا، حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا، بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ جَهَالَةً مُتَفَاوِتَةً كَالْحَصَادِ، وَالدِّيَاسِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الصُّلْحِ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ هُنَاكَ تَمَكُّنُ الرِّبَا.

وَلَمْ يُوجَدْ هَهُنَا؛ لِأَنَّ الرِّبَا يَخْتَصُّ بِمُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا شَرَائِطَ جَوَازِ الصُّلْحِ، وَمَنْ يَمْلِكُ الصُّلْحَ وَمَنْ لَا يَمْلِكُهُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ، وَلَوْ صَالَحَ الْوَلِيُّ الْقَاتِلَ عَلَى مَالٍ ثُمَّ قَتَلَهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ .

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْعَفْوِ، وَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ اثْنَيْنِ، وَالْقِصَاصُ وَاحِدٌ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْ الْقَاتِلِ، وَيَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَفْوِ، وَلَوْ قَتَلَهُ الْآخَرُ بَعْد عَفْوِ صَاحِبِهِ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>