فَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الدِّيَةِ، وَإِنْ دَفَعَ دَفَعَ نِصْفَ الْعَبْدِ إلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ عَلَى قَدْرِ تَعَلُّقِ الْحَقِّ، وَحَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَعَلَّقَ بِنِصْفٍ، فَيَكُونُ نِصْفُ الْعَبْدِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَقَدْ كَانَ، وَصَلَ النِّصْفُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، وَوَصَلَ إلَيْهِ بِالدَّفْعِ مِنْ الْمَوْلَى الرُّبْعُ فَسَلِمَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ، وَسَلِمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى الَّذِي لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ الْعَبْدُ الرُّبْعُ، فَصَارَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا: ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَرُبْعُهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، وَبَقِيَ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ الرُّبْعُ، ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ الْمَوْلَى دَفَعَ كُلَّ الْعَبْدِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي، فَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِقَضَاءٍ لَا يَضْمَنُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إذَا كَانَ بِقَضَاءٍ كَانَ هُوَ مُضْطَرًّا فِي الدَّفْعِ فَلَا يَضْمَنُ، وَلَا سَبِيلَ إلَى تَضْمِينِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ فِيمَا يَصْنَعُ أَمِينٌ فَلَا تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ، وَيُضَمَّنُ الْقَابِضُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْقَبْضُ بِغَيْرِ حَقٍّ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ كَقَبْضِ الْغَصْبِ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الضَّمَانِ بِالرَّدِّ إلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَبَضَ الْعَبْدَ فَارِغًا، وَرَدَّهُ مَشْغُولًا، وَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ الَّذِي لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ الْعَبْدُ بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَلِيَّ رُبْعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْقَابِضَ؛ لِيَسْلَمَ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ، رُبْعُهُ لَحْمٌ وَدَمٌ، وَرُبْعُهُ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: الدَّفْعُ مِنْ الْمَوْلَى، وَالْقَبْضُ مِنْ الْقَابِضِ، فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْمَوْلَى فَالْمَوْلَى يَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ، وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقَابِضِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ حَاصِلَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ.
وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلَيْنِ خَطَأً فَدَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى أَحَدِ وَلِيَّيْ الْقَتِيلَيْنِ فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا آخَرَ وَاجْتَمَعُوا.
فَإِنَّ الْقَابِضَ يَدْفَعُ نِصْفَ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ أَوْ يَفْدِي نِصْفَ الْجِنَايَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْمَوْلَى: ادْفَعْ النِّصْفَ الْبَاقِي إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّالِثَةِ، أَوْ افْدِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ خَمْسَةَ آلَافٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِ نِصْفُ الْعَبْدِ، وَبَقِيَ حَقُّهُ فِي النِّصْفِ، وَيَفْدِي لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ بِكَمَالِ الدِّيَةِ عَشَرَةَ آلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ، وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ نِصْفَ الْعَبْدِ إلَيْهِمَا.
فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِمَا كَانَ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا، فَيَضْرِبُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فِيهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّالِثَةِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ، فَيَصِيرُ نِصْفُ الْعَبْدِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا: ثُلُثَاهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَثُلُثَهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّالِثَةِ، وَبَقِيَ مِنْ حَقِّ الثَّانِي السُّدْسُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ ثُلُثَا النِّصْفِ، وَهُوَ ثُلُثُ كُلِّ الْعَبْدِ، فَبَقِيَ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ السُّدُسُ، فَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ضَمَّنَ الْقَابِضُ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ.
فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمَوْلَى، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْقَابِضُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ إنْسَانًا، وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ فَدَفَعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ إلَى الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ فَقَتَلَ فِي يَدِهِ قَتِيلًا يُقَالُ لِلْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ ادْفَعْ ثُلُثَ الْعَبْدِ إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ الثَّانِي أَوْ افْدِهِ بِالثُّلُثِ، وَرُدَّ الثُّلُثَيْنِ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ الثُّلُثَ بِحَقِّ مِلْكِهِ، وَأَخَذَ الثُّلُثَيْنِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَيُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَى الْمَوْلَى، ثُمَّ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَى لِلْأَوَّلِ بِتَمَامِ الدِّيَةِ عَشَرَةِ آلَافٍ، وَلِلثَّانِي بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ، وَذَلِكَ سِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ، وَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ دَفَعَ إلَيْهِمَا مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا فَيَتَضَارَبَانِ، يَضْرِبُ الْأَوَّلُ بِتَمَامِ الدِّيَةِ عَشَرَةِ آلَافٍ، وَالثَّانِي بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ سِتَّةِ آلَافٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ، فَاجْعَلْ كُلَّ أَلْفٍ سَهْمًا وَسِتَّمِائَةٍ، فَيَصِيرُ ثُلُثَا الدِّيَةِ بَيْنَهُمَا عَلَى سِتَّةِ عَشَرَ سَهْمًا وَثُلُثَيْنِ، فَيَكُونُ كُلُّ الْعَبْدِ عَلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا، وَقَدْ أَخَذَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الثَّانِي مِنْهُ ثُلُثَهُ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَثُلُثٌ، وَبَقِيَ ثُلُثَاهُ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ عَشَرَةٌ، وَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الثَّانِي سِتَّةٌ، وَثُلُثَانِ، ثُمَّ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ يَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ وَهُوَ الْمَفْقُوءَةُ عَيْنُهُ بِسِتَّةِ أَجْزَاءٍ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ جُزْءًا، وَثُلُثَيْ جُزْءٍ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ كَانَ حَقَّهُ، وَقَدْ فَاتَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْقَابِضِ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ هَلَكَ عِنْدَهُ فَيَضْمَنُهُ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ، كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَطَرِيقَةٌ أُخْرَى فِي الْحِسَابِ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ ثُلُثَيْ الْعَبْدِ إلَيْهِمَا، وَضَرَبَ أَحَدَهُمَا بِالدِّيَةِ، وَالْآخَرَ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ يُجْعَلُ كُلُّ ثُلُثٍ سَهْمًا فَيَصِيرُ كُلُّ الدِّيَةِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، وَثُلُثَا الدِّيَةِ سَهْمَيْنِ، فَيَصِيرُ ثُلُثَا الْعَبْدِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ لِلْأَوَّلِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْآخَرِ سَهْمَانِ، وَيَصِيرُ الثُّلُثُ الْآخَرُ سَهْمَيْنِ وَنِصْفَ، فَيَصِيرُ جَمِيعُ الْعَبْدِ عَلَى سَبْعَةٍ وَنِصْفٍ، فَوَقَعَ فِيهِ كَسْرٌ فَيُضَعَّفُ فَيَصِيرُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَالثُّلُثُ مِنْهُ خَمْسَةٌ، وَقَدْ دُفِعَ إلَى الْآخَرِ، وَثُلُثَا الْعَبْدِ عَشَرَةٌ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا فَيُضْرَبُ الْأَوَّلُ بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِهِ، وَهُوَ سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَالْآخَرُ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ، ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute