للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذَّاهِبِ فَكَأَنَّ الْأُولَى قَائِمَةٌ وَتَغَيَّرَتْ، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ ذَلِكَ.

(وَأَمَّا) سِنُّ الصَّبِيِّ إذَا ضُرِبَ عَلَيْهَا فَسَقَطَتْ فَإِنْ كَانَ قَدْ ثُغِرَ فَسِنُّهُ وَسِنُّ الْبَالِغِ سَوَاءٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُثْغَرَ فَإِنْ لَمْ تَنْبُتْ أَوْ نَبَتَتْ مُتَغَيِّرَةً فَكَذَلِكَ، وَإِنْ نَبَتَتْ صَحِيحَةً فَلَا شَيْءَ فِيهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي سِنِّ الْبَالِغِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيهَا حُكُومَةُ الْأَلَمِ فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ بَيْنَ سِنِّ الْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ سِنَّ الصَّبِيِّ إذَا لَمْ يُثْغَرْ لَا نَبَاتَ لَهُ إلَّا عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ، بِخِلَافِ سِنِّ الْبَالِغِ، وَهَذِهِ فُرَيْعَةُ مَسْأَلَةِ الشَّجَّةِ إذَا الْتَحَمَتْ وَنَبَتَ الشَّعْرُ عَلَيْهَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الشَّاجِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ فِيهَا حُكُومَةُ الْأَلَمِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ فِيهَا أُجْرَةُ الطَّبِيبِ.

وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي فِي بَيَانِ حُكْمِ الشِّجَاجِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ ضَرَبَ عَلَى سِنِّ إنْسَانٍ فَتَحَرَّكَ فَأَجَّلَهُ الْقَاضِي سَنَةً ثُمَّ جَاءَ الْمَضْرُوبَ وَقَدْ سَقَطَتْ سِنُّهُ فَقَالَ إنَّمَا سَقَطَتْ مِنْ ضَرْبَتِك وَقَالَ الضَّارِبُ مَا سَقَطَتْ بِضَرْبَتِي فَالْمَضْرُوبُ لَا يَخْلُو (إمَّا) أَنْ جَاءَ فِي السَّنَةِ (وَإِمَّا) أَنْ جَاءَ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَإِنْ جَاءَ فِي السَّنَةِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الضَّارِبِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَضْرُوبِ.

وَلَوْ شَجَّ رَأْسَ إنْسَانٍ مُوضِحَةً فَصَارَتْ مُنَقِّلَةً فَاخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْمَشْجُوجُ صَارَتْ مُنَقِّلَةً بِضَرْبَتِك وَعَلَيْك أَرْشُ الْمُنَقِّلَةِ وَقَالَ الشَّاجُّ لَا بَلْ صَارَتْ مُنَقِّلَةً بِضَرْبَةٍ أُخْرَى حَدَثَتْ فَالْقِيَاسُ عَلَى السِّنِّ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الشَّاجِّ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَشْجُوجِ، وَلِلْقِيَاسِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَضْرُوبَ وَالْمَشْجُوجَ يَدَّعِيَانِ عَلَى الضَّارِبِ وَالشَّاجِّ الضَّمَانَ وَهُمَا يُنْكِرَانِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ وَقَعَ التَّعَارُضَ بَيْنَ قَوْلَيْهِمَا، وَالضَّمَانُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَلَا تَجِبُ بِالشَّكِّ.

وَإِلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ فَقَالَ اُسْتُحْسِنَ فِي السِّنِّ لِوُرُودِ الْأَثَرِ، وَالْأَثَرُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ ، وَلِلِاسْتِحْسَانِ وَجْهَانِ مِنْ الْفَرْقِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلْمَضْرُوبِ فِي مَسْأَلَةِ السِّنِّ؛ لِأَنَّ سَبَبَ السُّقُوطِ حَصَلَ مِنْ الضَّارِبِ وَهُوَ الضَّرْبُ الْمُحَرِّكُ لِأَنَّ التَّحَرُّكَ سَبَبُ السُّقُوطِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْمَضْرُوبِ بِخِلَافِ الشَّجَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّجَّةَ الْمُوضِحَةُ لَا تَكُون سَبَبًا لِصَيْرُورَتِهَا مُنَقِّلَةً فَلَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ.

وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا جَرَى التَّأْجِيلُ حَوْلًا فِي السِّنِّ، وَالتَّأْجِيلُ مُدَّةَ الْحَوْلِ لِانْتِظَارِ مَا يَكُونُ مِنْ الضَّرْبَةِ فَإِذَا جَاءَ فِي الْحَوْلِ، وَقَدْ سَقَطَتْ سِنُّهُ فَقَدْ جَاءَ بِمَا وَقَعَ لَهُ الِانْتِظَارُ مِنْ الضَّرْبَةِ فِي مُدَّةِ الِانْتِظَارِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ (فَأَمَّا) الشَّجَّةُ فَلَمْ يُقَدَّرْ فِي انْتِظَارِهَا وَقْتٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الشَّاجِّ فِي قَدْرِ الشَّجَّةِ، وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّارِبِ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ مُدَّةَ الْحَوْلِ لِاسْتِقْرَارِ حَالِ السِّنِّ لِظُهُورِ حَالِهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَادَةً فَإِذَا لَمْ يَجِئْ دَلَّ عَلَى سَلَامَتِهَا عَنْ السُّقُوطِ بِالضَّرْبَةِ فَكَانَ السُّقُوطُ مُحَالًا إلَى سَبَبٍ حَادِثٍ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلضَّارِبِ أَوْ لَمْ يَشْهَدْ لِأَحَدِهِمَا فَيَبْقَى الْمَضْرُوبُ مُدَّعِيًا ضَمَانًا عَلَى الضَّارِبِ، وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.

أَوْ يَقَعُ التَّعَارُضَ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَالضَّمَانُ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ.

وَكَذَا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي زَمَانُ مَا بَعْدَ الْحَوْلِ لَمْ يُجْعَلْ لِانْتِظَارِ حَالِ السِّنِّ فَاحْتُمِلَ السُّقُوطُ مِنْ ضَرْبَةٍ أُخْرَى مِنْ غَيْرِهِ، وَاحْتُمِلَ مِنْ ضَرْبَتِهِ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ مَعَ وُقُوعِ الشَّكِّ فِي وُجُوبِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَأَمَّا) الشِّجَاجُ فَالْكَلَامُ فِي الشَّجَّةِ يَقَعُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي بَيَانِ حُكْمِهَا بِنَفْسِهَا، وَالثَّانِي فِي بَيَانِ حُكْمِهَا بِغَيْرِهَا.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمُوضِحَةُ إذَا بَرِئَتْ وَبَقِيَ لَهَا أَثَرٌ فَفِيهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِل، وَفِي الْهَاشِمَة عَشْرٌ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَفِي الْآمَّةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَفِي الْآمَّةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ» ، وَلَيْسَ فِيمَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ مِنْ الشِّجَاجِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ بِأَنْ الْتَحَمَتْ، وَنَبَتَ عَلَيْهَا الشَّعْرُ فَلَا شَيْءَ فِيهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ حُكُومَةُ الْأَلَمِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ أُجْرَةَ الطَّبِيبِ إنَّمَا لَزِمَتْهُ بِسَبَبِ هَذِهِ الشَّجَّةِ فَكَأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْمَالِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشَّجَّةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إهْدَارِهَا، وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُ أَرْشِ الشَّجَّةِ فَيَجِبُ أَرْشُ الْأَلَمِ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَرْشَ إنَّمَا يَجِبُ بِالشَّيْنِ الَّذِي يَلْحَقُ الْمَشْجُوجَ بِالْأَثَرِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ فَسَقَطَ الْأَرْشُ

<<  <  ج: ص:  >  >>