للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يُكْرَهُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ «أَوْتَرَ بِسَبْعِ سُوَرٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ» وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَجْمَعَ وَلَوْ قَرَأَ مِنْ وَسَطِ السُّورَةِ أَوْ آخِرِهَا لَا بَأْسَ بِهِ كَذَا رَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ مَا ذَكَرْنَا.

فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ يَقُولُ آمِينَ إمَامًا كَانَ أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ مُنْفَرِدًا وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يُؤْتَى بِالتَّأْمِينِ أَصْلًا، وَقَالَ مَالِكٌ: يَأْتِي بِهِ الْمُقْتَدِي دُونَ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» حَثَّنَا عَلَى التَّأْمِينِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ.

ثُمَّ السُّنَّةُ فِيهِ الْمُخَافَتَةُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْجَهْرُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَوَجْهُ التَّعَلُّقِ بِهِ أَنَّهُ عَلَّقَ تَأْمِينَ الْقَوْمِ بِتَأْمِينِ الْإِمَامِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا فَلَا مَعْنًى لِلتَّعَلُّقِ، وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «آمِينَ وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ» .

(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ «أَخْفَى التَّأْمِينَ» وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا» .

وَلَوْ كَانَ مَسْمُوعًا لَمَا اُحْتِيجَ إلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ أَجِبْ أَوْ لِيَكُنْ كَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ [يونس: ٨٩] وَمُوسَى كَانَ يَدْعُو وَهَارُونُ كَانَ يُؤَمِّنُ، وَالسُّنَّةُ فِي الدُّعَاءِ الْإِخْفَاءُ، وَحَدِيثُ وَائِلٍ طَعَنَ فِيهِ النَّخَعِيّ وَقَالَ: أَشَهِدَ وَائِلٌ؟ وَغَابَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَهَرَ مَرَّةً لِلتَّعْلِيمِ وَلَا حُجَّةَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ مَكَانَهُ مَعْلُومٌ، وَهُوَ مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْفَاتِحَةِ فَكَانَ التَّعْلِيقُ صَحِيحًا.

وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ يَنْحَطُّ لِلرُّكُوعِ وَيُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ.

أَمَّا التَّكْبِيرُ عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ الْقِيَامِ إلَى الرُّكُوعِ فَسُنَّةٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُكَبِّرُ حَالَ مَا رَكَعَ وَإِنَّمَا يُكَبِّرُ حَالَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُود وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ «كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» .

وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ وَهُوَ يَهْوِي وَالْوَاوُ لِلْحَالِ وَلِأَنَّ الذِّكْرَ سُنَّةٌ فِي كُلِّ رُكْنٍ لِيَكُونَ مُعَظِّمًا لِلَّهِ تَعَالَى فِيمَا هُوَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ بِالذِّكْرِ كَمَا هُوَ مُعَظِّمٌ لَهُ بِالْفِعْلِ فَيَزْدَادُ مَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالِانْتِقَالِ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ بِمَعْنَى الرُّكْنِ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَيْهِ فَكَانَ الذِّكْرُ فِيهِ مَسْنُونًا.

وَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ فَلَيْسَ بِسُنَّةٍ فِي الْفَرَائِضِ عِنْدَنَا إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَرْفَعُ الْأَيْدِي فِي تَكْبِيرِ الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلَ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ «كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ» .

(وَلَنَا) مَا رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ «كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ ثُمَّ لَا يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ» ، وَعَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ لَا تَرْفَعُ يَدَيْكَ؟ فَقَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَلَمْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الَّتِي تُفْتَتَحُ بِهَا الصَّلَاةُ.

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْعَشَرَةَ الَّذِينَ شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ بِالْجَنَّةِ مَا كَانُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إلَّا لِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَخِلَاف هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ قَبِيحٌ.

وَفِي الْمَشَاهِيرِ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَفِي الْعِيدَيْنِ، وَالْقُنُوتِ فِي الْوَتْرِ، وَعِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ، وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَبِعَرَفَاتٍ وَبِجَمْعٍ وَعِنْدَ الْمَقَامَيْنِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ» .

وَرُوِيَ «أَنَّهُ رَأَى بَعْضَ أَصْحَابِهِ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيَكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلِ شُمُسٍ اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «قَارُّوا فِي الصَّلَاةِ» وَلِأَنَّ هَذِهِ تَكْبِيرَةٌ يُؤْتَى بِهَا فِي حَالَةِ الِانْتِقَالِ فَلَا يُسَنُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَهَا كَتَكْبِيرَةِ السُّجُودِ، وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ إعْلَامُ الْأَصَمِّ الَّذِي خَلْفَهُ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى الْإِعْلَامِ بِالرَّفْعِ فِي التَّكْبِيرَاتِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا فِي حَالَةِ الِاسْتِوَاءِ كَتَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ فِي الْعِيدَيْنِ وَتَكْبِيرَاتِ الْقُنُوتِ، فَأَمَّا فِيمَا يُؤْتَى بِهِ فِي حَالَةِ الِانْتِقَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصَمَّ يَرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>