الِانْتِقَالَ فَلَا حَاجَةَ إلَى رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَرْفَعُ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ ﵁ أَنَّهُ قَالَ رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَرَفَعْنَا وَتَرَكَ فَتَرَكْنَا دَلَّ عَلَيْهِ أَنَّ مَدَارَ حَدِيثِ الرَّفْعِ عَلَى عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَعَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ.
قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيٍّ سَنَتَيْنِ فَكَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، وَمُجَاهِدٌ قَالَ صَلَّيْت خَلْفَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ سَنَتَيْنِ فَكَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فَدَلَّ عَمَلُهُمَا عَلَى خِلَافِ مَا رَوَيَا عَلَى مَعْرِفَتِهِمَا انْتِسَاخَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الرَّفْعِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَخْبَارِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الرَّفْعُ لَا تَرْبُو دَرَجَتُهُ عَلَى السُّنَّةِ وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ كَانَ بِدْعَةً وَتَرْكُ الْبِدْعَةِ أَوْلَى مِنْ إتْيَانِ السُّنَّةِ؛ وَلِأَنَّ تَرْكَ الرَّفْعِ مَعَ ثُبُوتِهِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ وَالتَّحْصِيلُ مَعَ عَدَمِ الثُّبُوتِ يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِعَمَلٍ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ تَفْسِيرُ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمِقْدَارَ الْمَفْرُوضَ مِنْ الرُّكُوعِ فِي مَوْضِعِهِ.
وَأَمَّا سُنَنُ الرُّكُوعِ - فَمِنْهَا أَنْ يَبْسُطَ ظَهْرَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «كَانَ إذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهْرَهُ حَتَّى لَوْ وُضِعَ عَلَى ظَهْرِهِ قَدَحٌ مِنْ مَاءٍ لَاسْتَقَرَّ» -، وَمِنْهَا أَنْ لَا يُنَكِّسَ رَأْسَهُ وَلَا يَرْفَعُهُ أَيْ: يُسَوِّيَ رَأْسَهُ بِعَجُزِهِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «كَانَ إذَا رَكَعَ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُنَكِّسْهُ» .
وَرُوِيَ أَنَّهُ «نَهَى أَنْ يُدَبِّحَ الْمُصَلِّي تَدْبِيحَ الْحِمَارِ» وَهُوَ أَنْ يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ إذَا شَمَّ الْبَوْلَ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَمَرَّغَ؛ وَلِأَنَّ بَسْطَ الظَّهْرِ سُنَّةٌ، وَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ مَعَ الرَّفْعِ وَالتَّنْكِيسِ، وَمِنْهَا أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: السُّنَّةُ هِيَ التَّطْبِيقُ وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيُرْسِلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ لِأَنَسٍ ﵁: «إذَا رَكَعْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِكَ» وَفِي رِوَايَةٍ وَفَرِّقْ بَيْنَ أَصَابِعِكَ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: ثُنِيَتْ لَكُمْ الرُّكَبُ فَخُذُوا بِالرُّكَبِ، وَالتَّطْبِيقُ مَنْسُوخٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ رَأَى ابْنَهُ يُطَبِّقُ فِي الصَّلَاةِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يُطَبِّقُ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: رُحِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ كُنَّا نُطَبِّقُ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ نُهِينَا عَنْهُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَفْعَلُهُ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ لَمْ يَبْلُغْهُ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ السُّنَّةَ هِيَ الْوَضْعُ مَعَ الْأَخْذِ لِحَدِيثِ عُمَرَ ﵁ وَالتَّفْرِيقُ أَمْكَنُ مِنْ الْأَخْذِ، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا، وَهَذَا قَوْلُ الْعَامَّةِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي قَوْلِ مَنْ تَرَكَ التَّسْبِيحَ فِي الرُّكُوعِ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا نَجِدُ فِي الرُّكُوعِ دُعَاءً مُؤَقَّتًا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ نَقَصَ مِنْ الثَّلَاثِ فِي تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ بِفِعْلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ التَّسْبِيحِ فَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَقُلْنَا بِالْجَوَازِ مَعَ كَوْنِ التَّسْبِيحِ سُنَّةً عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَدَلِيلُ كَوْنِهِ سُنَّةً مَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة: ٧٤] قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ، وَلَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾ [الأعلى: ١] قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» ثُمَّ السُّنَّةُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقُولُ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَيَصِيرُ مُمْتَثِلًا بِتَحْصِيلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا، وَفِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» وَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ يَحْتَمِلُ التَّكْرَارَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا سَبَّحَ مَرَّةً وَاحِدَةً يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ جَعَلَ الثَّلَاثَ أَدْنَى التَّمَامِ فَمَا دُونَهُ يَكُونُ نَاقِصًا فَيُكْرَهُ وَلَوْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ دَلِيلُ اسْتِحْبَابِ الزِّيَادَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا فَإِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا يُسَبِّحُ إلَى أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ إمَامًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُسَبِّحَ ثَلَاثًا وَلَا يُطَوِّلُ عَلَى الْقَوْمِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ التَّطْوِيلَ سَبَبُ التَّنْفِيرِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَقُولُهَا أَرْبَعًا حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْقَوْمُ مِنْ أَنْ يَقُولُوهَا ثَلَاثًا، وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يَقُولُهَا خَمْسًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَزِيدُ فِي الرُّكُوعِ عَلَى التَّسْبِيحَةِ الْوَاحِدَةِ اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَلَكَ خَشَعْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَيَقُولُ فِي السُّجُودِ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ وَهُوَ عِنْدَنَا مَحْمُولٌ