فِي الزِّيَادَاتِ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَخْتَانِهِ، ثُمَّ مَاتَ، فَالْأَخْتَانُ أَزْوَاجُ الْبَنَاتِ، وَالْأَخَوَات، وَالْعَمَّاتِ، وَالْخَالَاتِ، فَكُلُّ امْرَأَةٍ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمُوصِي، فَزَوْجُهَا مِنْ أَخْتَانِهِ، وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ ذَكَرٍ، وَأُنْثَى، فَهُوَ أَيْضًا مِنْ أَخْتَانِهِ، وَلَا يَكُونُ الْأَخْتَانُ إلَّا أَزْوَاجَ ذَوَاتِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِهِمْ مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَلَا يَكُونُ مِنْ الْأَخْتَانِ مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ نِسَاءِ الْمُوصِي أَيْ: زَوْجَاتِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الزَّوْجَةِ، فَهُوَ صِهْرٌ، وَلَيْسَ بِخَتَنٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ ﵀ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ ﵀ فِي الْإِمْلَاءِ أَيْضًا إذَا قَالَ: قَدْ أَوْصَيْتُ لِأَخْتَانِي، فَأَخْتَانُهُ أَزْوَاجُ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ أُخْتٌ، وَبِنْتُ أُخْتٍ، وَخَالَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ زَوْجٌ، وَلِزَوْجِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَبٌ، فَكُلُّهُمْ جَمِيعًا أَخْتَانٌ، وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ الذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ، أُمُّ الزَّوْجِ، وَأَخْتَانُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ فِيهِ سَوَاءٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ ﵀ فِي مَوْضِعَيْنِ عَلَى أَنَّ الْأَخْتَانَ مَا ذُكِرَ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ.
وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ: إذَا قَالَ: أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِأَصْهَارِي، فَهُوَ عَلَى كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَتِهِ، وَزَوْجَةِ أَبِيهِ، وَزَوْجَةِ ابْنِهِ، وَزَوْجَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَصْهَارُهُ، وَلَا تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الزَّوْجَةُ، وَلَا امْرَأَةُ أَبِيهِ، وَلَا امْرَأَةُ أَخِيهِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ ﵀ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ، وَالدَّلِيلُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْأَصْهَارَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الزَّوْجَةِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﵊ لَمَّا أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَتَزَوَّجَهَا أَعْتَقَ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إكْرَامًا لَهَا» .
وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَهُ ﵊.
وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: ﵁ إذَا أَوْصَى فَقَالَ: ثُلُثُ مَالِي لِجِيرَانِي، فَهُوَ لِجِيرَانِهِ الْمُلَاصِقِينَ لِدَارِهِ مِنْ السُّكَّانِ عَبِيدًا كَانُوا أَوْ أَحْرَارًا نِسَاءً كَانُوا أَوْ رِجَالًا ذِمَّةً كَانُوا أَوْ مُسْلِمِينَ بِالسَّوِيَّةِ قَرُبَتْ الْأَبْوَابُ، أَوْ بَعُدَتْ إذَا كَانُوا مُلَاصِقِينَ لِلدَّارِ، وَعِنْدَهُمَا الثُّلُثُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ ﵁ وَلِغَيْرِهِمْ مِنْ الْجِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ مِمَّنْ يَضُمُّهُمْ مَسْجِدٌ، أَوْ جَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَدَعْوَةٌ وَاحِدَةٌ، فَهَؤُلَاءِ جِيرَانُهُ فِي كَلَامِ النَّاسِ.
وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ إذَا أَوْصَى لِجِيرَانِهِ، فَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ لَلْمُلَاصِقِينَ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ لَلسَّكَّانِ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَسْكُنُ تِلْكَ الدُّورَ الَّتِي تَجِبُ لِأَجْلِهَا الشُّفْعَةُ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَهُ دَارٌ فِي تِلْكَ الدُّورِ، وَلَيْسَ بِسَاكِنٍ فِيهَا، فَلَيْسَ مِنْ جِيرَانِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ ﵀: فَأَمَّا أَنَا، فَأَسْتَحْسِنُ أَنْ أَجْعَلَ الْوَصِيَّةَ لِجِيرَانِهِ الْمُلَاصِقِينَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الدُّورَ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُهَا، وَلِمَنْ يَجْمَعُهُ مَسْجِدُ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ الَّتِي فِيهَا الْمُوصِي مِنْ الْمُلَاصِقِينَ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ السُّكَّانِ مِمَّنْ فِي تِلْكَ الْمَحَلَّةِ، وَغَيْرِهِمْ سَوَاءٌ فِي الْوَصِيَّةِ الْأَقْرَبُونَ، وَالْأَبْعَدُونَ، وَالْكَافِرُ، وَالْمُسْلِمُ، وَالصَّبِيُّ، وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَيْسَ لِلْمَمَالِيكِ، وَالْمُدَبَّرِينَ، وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ (وَأَمَّا) الْمُكَاتَبُونَ، فَهُمْ فِي الْوَصِيَّةِ إذَا كَانُوا سُكَّانًا فِي الْمَحَلَّةِ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: إنَّ اسْمَ الْجَارِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْمُلَاصِقِ يَقَعُ عَلَى الْمُقَابِلِ، وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَجْمَعُهُمَا مَسْجِدٌ وَاحِدٌ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَمَّى جَارًا.
وَقَالَ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» (وَرُوِيَ) أَنَّ سَيِّدَنَا عَلِيًّا ﵁ فَسَّرَ ذَلِكَ، فَقَالَ: هُمْ الَّذِينَ يَجْمَعُهُمْ مَسْجِدٌ وَاحِدٌ؛ وَلِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُوصِي مِنْ الْوَصِيَّةِ لِلْجَارِ هُوَ الْبِرُّ بِهِ، وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِ، وَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُلَاصِقِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ الْجِوَارَ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ، وَهِيَ الِاتِّصَالُ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ بِلَا حَائِلٍ بَيْنَهُمَا هُوَ حَقِيقَةُ الْمُجَاوَرَةِ، فَأَمَّا مَعَ الْحَائِلِ، فَلَا يَكُونُ مُجَاوِرًا حَقِيقَةً، وَلِهَذَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِلْمُلَاصِقِ لَا لِلْمُقَابِلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ حَقِيقَةً (وَمُطْلَقُ) الِاسْمِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ وَلِأَنَّ الْجِيرَانَ الْمُلَاصِقِينَ هُمْ الَّذِينَ يَكُونُ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ حُقُوقٌ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا حَالَ حَيَاتِهِمْ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ قَضَاءَ حَقٍّ كَانَ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَتَنْصَرِفُ الْوَصِيَّةُ إلَى الْجِيرَانِ الْمُلَاصِقِينَ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السُّكْنَى فِي الْمِلْكِ الْمُلَاصِقِ لِمِلْكِ الْمُوصِي، فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ صَارَ كَأَنَّهُ جَارٌ لَهُ، فَيَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ جَارُ الْمَسْجِدِ، وَجَارُ الْمَسْجِدِ فَسَّرَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَإِذَا أَوْصَى لِمَوَالِي فُلَانٍ، وَهُوَ أَبُو فَخِذٍ أَوْ قَبِيلَةٍ، أَوْ لِبَنِي فُلَانٍ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: لِمَوَالِي قَبِيلَةِ فُلَانٍ، وَلِبَنِي قَبِيلَةِ فُلَانٍ، وَيُرِيدُ بِهِ الْمُنْتَسِبِينَ إلَيْهِمْ بِالنَّسَبِ، وَالْمُنْتَمِينَ إلَيْهِمْ بِالْوَلَاءِ هَذَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ أَهْلِ اللِّسَانِ، وَمُطْلَقُ الْكَلَامِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ، وَيَصِيرُ كَالْمَنْطُوقِ بِمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَهُمْ، وَلَوْ قَالَ: نَصُّ هَذَا ثَبَتَ الْمَالُ لِلْمُنْتَسِبِينَ إلَى هَذِهِ الْقَبِيلَةِ، وَالْمُنْتَمِينَ إلَيْهِمْ بِالْوَلَاءِ كَانَ الْجَوَابُ مَا قُلْنَا كَذَا هَهُنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ أَبَا فَخِذٍ أَوْ قَبِيلَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute