مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَإِنْ كَانَ عَبَّاسِيًّا يَدْخُلُ فِيهَا كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعَبَّاسِ ﵁ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ سَوَاءٌ كَانَ بِنَفْسِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى بَعْدَ إنْ كَانَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْآبَاءِ، وَلَا يَدْخُلُ مَنْ كَانَتْ نِسْبَتُهُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَهْلُ بَيْتِ النَّسَبِ وَالنَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ وَأَوْلَادِ النِّسَاءِ آبَاؤُهُمْ قَوْمٌ آخَرُونَ، فَلَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَيَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ لِأَهْلِ بَيْتِهِ أَبُوهُ وَجَدُّهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَرِثُ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْإِنْسَانِ أَبُوهُ وَمَنْ يُنْسَبُ إلَى بَيْتِهِ، فَالْأَبُ أَصْلُ الْبَيْتِ، فَيَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ مَنْ تَقَرَّبَ إلَى الْإِنْسَانِ بِغَيْرِهِ لَا بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي أَبٍ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِنَسَبِهِ أَوْ حَسَبِهِ، فَهُوَ عَلَى قَرَابَتِهِ الَّذِينَ يُنْسَبُونَ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ حَتَّى لَوْ كَانَ آبَاؤُهُ عَلَى غَيْرِ دِينِهِ دَخَلُوا فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ عِبَارَةٌ عَمَّنْ يُنْسَبُ إلَى الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ.
وَكَذَلِكَ الْحَسَبُ، فَإِنَّ الْهَاشِمِيَّ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً، فَوَلَدَتْ مِنْهُ يُنْسَبُ الْوَلَدُ إلَيْهِ لَا إلَى أُمِّهِ، وَحَسْبُهُ أَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ، فَثَبَتَ أَنَّ النَّسَبَ وَالْحَسَبَ يَخْتَصُّ بِالْأَبِ دُونَ الْأُمِّ.
وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى لِجِنْسِ فُلَانٍ، فَهُمْ بَنُو الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ، وَلَا يَتَجَنَّسُ بِأُمِّهِ، فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ جِنْسَهُ فِي النَّسَبِ.
وَكَذَلِكَ اللُّحْمَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْجِنْسِ، وَذَكَر الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَوْصَى لِقَرَابَتِهِ، فَالْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْجِنْسُ وَاللُّحْمَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ مَنْ يَتَقَرَّبُ إلَى الْإِنْسَانِ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجَدُ فِي الطَّرَفَيْنِ، بِخِلَافِ الْجِنْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِآلِ فُلَانٍ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ لِأَهْلِ بَيْتِ فُلَانٍ، فَلَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ فُلَانٍ، فَالْوَصِيَّةُ لِزَوْجَةِ فُلَانٍ خَاصَّةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا هَذَا عَلَى جَمِيعِ مَنْ يَعُولُهُمْ فُلَانٌ مِمَّنْ تَضُمُّهُ نَفَقَتُهُ مِنْ الْأَحْرَارِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ زَوْجَتُهُ وَالْيَتِيمُ فِي حِجْرِهِ، وَالْوَلَدُ إذَا كَانَ يَعُولُهُ، فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا قَدْ اعْتَزَلَ عَنْهُ، أَوْ كَانَ بِنْتًا قَدْ تَزَوَّجَتْ، فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَمَالِيكُهُ، وَلَا وَارِثُ الْمُوصِي، وَلَا الْمُوصَى لِأَهْلِهِ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْأَهْلَ عِبَارَةٌ عَمَّنْ يُنْفَقُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ ﵎ خَبَرًا عَنْ نَبِيِّهِ سَيِّدِنَا نُوحٍ ﵊ ﴿إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾ [هود: ٤٥] .
وَقَالَ ﵎ فِي قِصَّةِ لُوطٍ ﵊ ﴿فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ﴾ [الأنبياء: ٧٦] ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ الْأَهْلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُرَادُ بِهِ الزَّوْجَةُ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ يُقَال: فُلَانٌ مُتَأَهِّلٌ وَفُلَانٌ لَمْ يَتَأَهَّلْ، وَفُلَانٌ لَهُ أَهْلٌ، وَفُلَانٌ لَيْسَ لَهُ أَهْلٌ، وَيُرَادُ بِهِ الزَّوْجَةُ، فَتُحْمَلُ الْوَصِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَمَالِيكُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُسَمَّوْنَ أَهْلَ الْمَوْلَى، وَلَا يَدْخُل فِيهِ وَارِثُ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ إنْ خَرَجَ مِنْهُ لَا يَدْخُلُ، فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْلَى، وَلَا يَدْخُلُ فُلَانٌ الَّذِي أَوْصَى لِأَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ، وَالْمُضَافُ غَيْرُ الْمُضَافِ إلَيْهِ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ إنَّ فُلَانًا لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِإِخْوَتِهِ، وَلَهُ سِتَّةُ إخْوَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَلَهُ أَوْلَادٌ يَحُوزُونَ مِيرَاثَهُ، فَالثُّلُثُ بَيْنَ إخْوَتِهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الِاسْمِ سَوَاءٌ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَقْرِبَاءِ فُلَانِ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ تَحْتَمِلُ التَّفَاوُتَ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ.
وَأَمَّا الْأُخُوَّةُ، فَلَا تَحْتَمِلُ التَّفَاوُتَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ هَذَا أَقْرَبُ مِنْ فُلَانٍ، وَلَا يُقَالُ هَذَا أَكْثَرُ أُخُوَّةٍ مِنْ فُلَانٍ هَذَا إذَا كَانَ لَهُ، وَلَدٌ يَحُوزُ مِيرَاثَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؛ فَلَا شَيْءَ لِلْإِخْوَةِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُمْ وَرَثَةٌ، وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَلِلْإِخْوَةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ ثُلُثُ ذَلِكَ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ، وَلَا يُقَالُ: إذَا لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لِلْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَلِلْإِخْوَةِ لِأُمٍّ يَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ كُلُّ الثُّلُثِ إلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِأَنَّا نَقُولُ نَعَمْ هَكَذَا لَوْ لَمْ تَصِحَّ الْإِضَافَة إلَى الْإِخْوَةِ لِأَبٍ، وَأُمٍّ وَإِلَى الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ، وَالْإِضَافَةُ إلَيْهِمْ وَقَعَتْ صَحِيحَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ؛ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُمْ، وَصَارَ هَذَا كَرَجُلٍ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِثَلَاثَةِ نَفَرٍ، فَمَاتَ اثْنَانِ مِنْهُمْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَلِلْبَاقِي مِنْهُمْ ثُلُثُ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِمْ، وَقَعَتْ صَحِيحَةً كَذَا هَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٍ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْإِضَافَةَ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْوَصِيَّةِ أَصْلًا، فَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْإِضَافَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ ﵀ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فِي الصِّلَةِ وَلَهُ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ وَبَنُو أَخٍ وَبَنُو أُخْتٍ: يُوضَعُ الثُّلُثُ فِي جَمِيعِ قَرَابَتِهِ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَمَنْ وُلِدَ مِنْهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ الصِّلَةَ يُرَادُ بِهَا صِلَةُ الرَّحِمِ، فَكَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ وُلِدَ مِنْهُمْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَيَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ.
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ ﵀
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute