هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، فَهَلْ يَدْخُلُ فِيهَا الْجَدُّ وَوَلَدُ الْوَلَدِ؟ ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا، وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ، وَوَلَدَ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ، فَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا الْوَالِدُ، وَالْوَلَدُ كَذَا الْجَدُّ وَوَلَدُ الْوَلَدِ (وَأَمَّا) الثَّالِثُ فَلِمَا رُوِينَا عَنْهُ ﵊ أَنَّهُ قَالَ: «لَا، وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْمَحْرَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُعْتَبَرُ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ، فَالْأَقْرَبُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُعْتَبَرُ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقَرِيبَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ مَعْنَى، وَهُوَ الْقُرْبُ، وَقَدْ وُجِدَ الْقُرْبُ، فَيَتَنَاوَلُ الرَّحِمَ الْمَحْرَمَ، وَغَيْرَهُ وَالْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ، وَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِإِخْوَتِهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْإِخْوَةُ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْإِخْوَةُ لِأَبٍ وَالْإِخْوَةُ لِأُمٍّ؛ لِكَوْنِهِ اسْمًا مُشْتَقًّا مِنْ الْأُخُوَّةِ كَذَا هَذَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ ﵎ ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤] جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قُرَيْشًا، فَخَصَّ، وَعَمَّ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ ﵎ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا يَا مَعْشَرَ بَنِي قُصَيٍّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ عَزَّ شَأْنُهُ ضَرًّا، وَلَا نَفْعًا» ، وَكَذَلِكَ قَالَ ﵊ لِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ وَذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَغَيْرُ الْمَحْرَمِ، فَدَلَّ أَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ كُلَّ قَرِيبٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ لِتَعَذُّرِ إدْخَالِ أَوْلَادِ سَيِّدِنَا آدَمَ ﵊ فِيهِ، فَتُعْتَبَرُ النِّسْبَةُ إلَى أَقْصَى أَبٍ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَرَدَ الْإِسْلَامُ صَارَتْ الْمَعْرِفَةُ بِالْإِسْلَامِ، وَالشَّرَفُ بِهِ، فَصَارَ الْجَدُّ الْمُسْلِمُ هُوَ النَّسَبُ، فَتَشَرَّفُوا بِهِ، فَلَا يُعْتَبَرُ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمَّا كَانَتْ بِاسْمِ الْقَرَابَةِ أَوْ الرَّحِمِ، فَالْقَرَابَةُ الْمُطْلَقَةُ هِيَ قَرَابَةُ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ؛ وَلِأَنَّ مَعْنَى الِاسْمِ يَتَكَامَلُ بِهَا.
وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا مِنْ الرَّحِمِ غَيْرِ الْمَحْرَمِ فَنَاقِصٌ، فَكَانَ الِاسْمُ لِلرَّحِمِ الْمُحْرَمِ لَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً لِغَيْرِهِ، فَأَمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ الِاسْمُ مُشْتَرَكًا أَوْ عَامًّا، وَلَا سَبِيلَ إلَى الِاشْتِرَاكِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مُتَجَانِسٌ، وَلَا إلَى الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مُتَفَاوِتٌ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ لِمَا قُلْنَا حَقِيقَةً، وَلِغَيْرِهِ مَجَازًا، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِإِخْوَتِهِ؛ لِأَنَّ مَأْخَذَ الِاسْمِ، وَهُوَ الْإِخْوَةُ لَا يَتَفَاوَتُ، فَكَانَ اسْمًا عَامًا، فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ، وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ هُوَ صِلَةُ الْقَرَابَةِ، وَهَذِهِ الْقَرَابَةُ هِيَ وَاجِبَةُ الْوَصْلِ مُحَرَّمَةُ الْقَطْعِ لَا تِلْكَ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ الدَّيِّنِ الْمُسَارَعَةُ إلَى إقَامَةِ الْوَاجِبِ، فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِإِخْوَتِهِ؛ لِأَنَّ قَرَابَةَ الْإِخْوَةِ وَاجِبَةُ الْوَصْلِ مُحَرَّمَةُ الْقَطْعِ عَلَى اخْتِلَافِ جِهَاتِهَا، فَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ، وَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - عَلَى زَعْمِهِمَا كَانَ يَسْتَقِيمُ فِي زَمَانِهِمَا؛ لِأَنَّ أَقْصَى أَبِ الْإِسْلَامِ كَانَ قَرِيبًا يَصِلُ إلَيْهِ بِثَلَاثَةِ آبَاءٍ أَوْ أَرْبَعَةِ آبَاءٍ، فَكَانَ الْمُوصَى لَهُ مَعْلُومًا، فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا، فَلَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ عَهْدَ الْإِسْلَامِ قَدْ طَالَ، فَتَقَعُ الْوَصِيَّةُ لِقَوْمٍ مَجْهُولِينَ، فَلَا تَصِحُّ إلَّا أَنْ نَقُولَ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَوْلَادِ أَبِيهِ وَأَوْلَادِ جَدِّهِ وَأَوْلَادِ جَدِّ أَبِيهِ وَإِلَى أَوْلَادِ أُمِّهِ وَأَوْلَادِ جَدَّتِهِ وَجَدَّةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ قَدْ يَكُونُ مَعْلُومًا، فَيُصْرَفُ إلَيْهِمْ، فَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ، فَإِنْ تَرَكَ عَمَّيْنِ وَخَالَيْنِ، وَهُمْ لَيْسُوا بِوَرَثَتِهِ بِأَنْ مَاتَ، وَتَرَكَ ابْنًا وَعَمَّيْنِ وَخَالَيْنِ، فَالْوَصِيَّةُ لِلْعَمَّيْنِ لَا لِلْخَالَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ، فَالْأَقْرَبُ، وَالْعَمَّانِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْخَالَيْنِ، فَكَانَا أَوْلَى بِالْوَصِيَّةِ، وَعِنْدَهُمَا الْوَصِيَّةُ تَكُونُ بَيْنَ الْعَمَّيْنِ، وَالْخَالَيْنِ أَرْبَاعًا؛ لِأَنَّ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ سَوَاءٌ عِنْدَهُمَا.
وَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَاحِدٌ وَخَالَانِ، فَلِلْعَمِّ نِصْفُ الثُّلُثِ، وَلِلْخَالَيْنِ النِّصْفُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ حَصَلَتْ بِاسْمِ الْجَمْعِ، وَأَقَلُّ مَنْ يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الْجَمْعِ فِي الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَمُّ الْوَاحِدُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَنْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ مِثْلُهُ، وَإِذَا اسْتَحَقَّ هُوَ النِّصْفَ بَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ أَقْرَبَ مِنْ الْخَالَيْنِ، فَكَانَ لَهُمَا، وَعِنْدَهُمَا يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَاحِدٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، فَنِصْفُ الثُّلُثِ لِعَمِّهِ، وَالنِّصْفُ يُرَدُّ عَلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَّ الْوَاحِدَ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، فَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ، فَتَبْطُلُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ، وَعِنْدَهُمَا يُصْرَفُ النِّصْفُ الْآخَرُ إلَى ذِي الرَّحِمِ الَّذِي لَيْسَ بِمَحْرَمٍ.
وَلَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ بَيْتِهِ يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ جَمْعِهِ آبَاؤُهُمْ أَقْصَى أَبٍ فِي الْإِسْلَامِ حَتَّى أَنَّ الْمُوصِيَ لَوْ كَانَ عَلَوِيًّا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى سَيِّدِنَا عَلِيٍّ ﵁
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute