لَا يَتَعَدَّى إلَى صَلَاةِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ مُتَوَضِّئًا وَالْخَلِيفَةُ مُتَيَمِّمًا فَوَجَدَ الْخَلِيفَةُ الْمَاءَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْأَوَّلِ وَالْقَوْمِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ تَحَوَّلَتْ إلَيْهِ وَصَارَ الْأَوَّلُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْمُقْتَدِينَ بِهِ، وَفَسَادُ صَلَاةِ الْإِمَامِ يَتَعَدَّى إلَى صَلَاةِ الْقَوْمِ.
وَلَوْ قَدَّمَ مَسْبُوقًا جَازَ وَالْأَوْلَى لِلْإِمَامِ الْمُحْدِثِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مُدْرِكًا لَا مَسْبُوقًا؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ الصَّلَاةِ وَقَدْ قَالَ ﷺ: «مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ» وَمَعَ هَذَا لَوْ قَدَّمَ الْمَسْبُوقَ جَازَ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْقِيَامِ بِجَمِيعِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَفْعَالِ.
وَلَوْ تَقَدَّمَ مَعَ هَذَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْإِمَامَةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ الْأَرْكَانِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِذَا صَحَّ اسْتِخْلَافُهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَصَلَ إلَيْهِ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَإِذَا انْتَهَى إلَى السَّلَامِ يَسْتَخْلِفُ هَذَا الثَّانِي رَجُلًا أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ السَّلَامِ لِبَقَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ إتْمَامِ الصَّلَاةِ كَاَلَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَثَبَتَتْ لَهُ وِلَايَةُ اسْتِخْلَافِ غَيْرِهِ فَيُقَدِّمُ مُدْرِكًا لِيُسَلِّمَ ثُمَّ يَقُومُ هُوَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ، وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ صَارَ إمَامًا فَيُخْرِجُ الْأَوَّلَ مِنْ الْإِمَامَةِ ضَرُورَةُ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَكُونُ لَهَا إمَامَانِ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ إمَامًا وَقَدْ بَقِيَ هُوَ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ صَارَ مُقْتَدِيًا ضَرُورَةً فَإِنْ تَوَضَّأَ الْأَوَّلُ وَصَلَّى فِي بَيْتِهِ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ الثَّانِي مِنْ بَقِيَّةِ صَلَاةِ الْأَوَّلِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ لِمَا مَرَّ.
وَلَوْ قَعَدَ الْإِمَامُ الثَّانِي فِي الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ قَهْقَهَ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَصَلَاتُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي لَاقَتْهُ الْقَهْقَهَةُ مِنْ صَلَاتِهِ قَدْ فَسَدَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَرْكَانٌ وَمَنْ بَاشَرَ الْمُفْسِدَ قَلَّ أَدَاءُ جَمِيعِ الْأَرْكَانِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْمُقْتَدِينَ الَّذِينَ لَيْسُوا بِمَسْبُوقِينَ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّ جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِمْ وَإِنْ فَسَدَ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَكِنْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ الْأَفْعَالِ وَصَلَاتُهُمْ بِدُونِ هَذَا الْجُزْءِ جَائِزَةٌ فَحُكِمَ بِجَوَازِهَا.
وَأَمَّا الْمَسْبُوقُونَ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْجُزْءَ مِنْ صَلَاتِهِمْ قَدْ فَسَدَ وَعَلَيْهِمْ أَرْكَانٌ لَمْ تُؤَدَّ بَعْدُ كَمَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ الثَّانِي، فَأَمَّا الْإِمَامُ الْأَوَّلُ فَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ خَلْفَ الْإِمَامِ الثَّانِي مَعَ الْقَوْمِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُدْرِكِينَ، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ لَمْ يَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ الثَّانِي فِي الصَّلَاةِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، ذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ وَذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ.
وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ قَهْقَهَةَ الْإِمَامِ كَقَهْقَهَةِ الْمُقْتَدِي فِي إفْسَادِ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَسْبُوقِينَ فَاسِدَةٌ وَلَوْ قَهْقَهَ الْمُقْتَدِي نَفْسُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِبَقَاءِ الْأَرْكَانِ عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَالْمَسْبُوقِينَ إنَّمَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي لَاقَتْهُ الْقَهْقَهَةُ وَأَفْسَدَتْهُ مِنْ وَسَطِ صَلَاتِهِمْ فَإِذَا فَسَدَ الْجُزْءُ فَسَدَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَّا هَذَا الْجُزْءُ فِي حَقِّ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُدْرِكٌ أَوَّلَ الصَّلَاةِ فَمِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِمَا تَرَكَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَأْتِي بِمَا يُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ وَإِلَّا فَيَأْتِي بِهِ وَحْدَهُ فَلَا يَكُونُ فَسَادُ هَذَا الْجُزْءِ مُوجِبًا فَسَادَ صَلَاتِهِ كَمَا لَوْ كَانَ أَتَى وَصَلَّى مَا تَرَكَهُ وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ وَصَلَّى بَقِيَّةَ الصَّلَاةِ وَقَعَدَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ قَهْقَهَ الْإِمَامُ الثَّانِي لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ كَذَا هَذَا، وَلَوْ كَانَ الَّذِينَ خَلْفَ الْإِمَامِ الْمُحْدِثِ كُلَّهُمْ مَسْبُوقِينَ يُنْظَرُ إنْ بَقِيَ عَلَى الْإِمَامِ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ وَاحِدًا مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ يَصْلُحُ خَلِيفَةً لِمَا بَيَّنَّا فَيُتِمُّ صَلَاةَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْقَوْمُ يَقُومُونَ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ وَيُصَلُّونَ وُحْدَانًا وَإِنْ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْإِمَامِ شَيْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ قَامُوا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلِّمُوا وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ وُحْدَانًا لِوُجُوبِ الِانْفِرَادِ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ رَكْعَةً ثُمَّ أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا نَامَ عَنْ هَذِهِ الرَّكْعَةِ وَقَدْ أَدْرَكَ أَوَّلَهَا أَوْ كَانَ ذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ جَازَ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَهُ وَلَا لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَإِنْ قُدِّمَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَ هُوَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْبِدَايَةِ بِمَا فَاتَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَقَدَّمَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِتْمَامِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِذَا تَقَدَّمَ يَنْبَغِي أَنْ يُشِيرَ إلَيْهِمْ بِأَنْ يَنْتَظِرُوهُ لِيُصَلِّيَ مَا فَاتَهُ وَقْتَ نَوْمِهِ أَوْ ذَهَابِهِ لِلتَّوَضُّؤِ ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ بَقِيَّةَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ هَكَذَا وَلَكِنَّهُ أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ ثُمَّ قَدَّمَ مُدْرِكًا وَسَلَّمَ بِهِمْ ثُمَّ قَامَ فَقَضَى مَا فَاتَهُ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِيهِ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْبِدَايَةِ بِالرَّكْعَةِ الْأَوْلَى فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute