الْمَأْمُورَ بِهِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَالْمَسْبُوقِ إذَا بَدَأَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يُتَابِعَ الْإِمَامَ فِيمَا أَدْرَكَ مَعَهُ، وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِجَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ التَّرْتِيبَ فِي أَفْعَالِهَا وَالتَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَوْ ثَبَتَ افْتِرَاضُهُ لَكَانَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْأَرْكَانِ وَالْفَرَائِضِ وَذَا جَارٍ مَجْرَى النَّسْخِ وَلَا يَثْبُتُ نَسْخُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ مِثْلِهِ وَلَا دَلِيلَ لِمَنْ جَعَلَ التَّرْتِيبَ فَرْضًا يُسَاوِي دَلِيلَ افْتِرَاضِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَوْلَى إلَى آخِرِ صَلَاتِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَرْضًا لَفَسَدَتْ، وَكَذَا الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ يُتَابِعُهُ فِيهِ فَدَلَّ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَتَرْكُهَا لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ هُنَاكَ لَيْسَ لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ بَلْ لِلْعَمَلِ بِالْمَنْسُوخِ أَوْ لِلِانْفِرَادِ عِنْدَ وُجُوبِ الِاقْتِدَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ هَهُنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ ذَكَرَ رَكْعَتَهُ الثَّانِيَةَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُومِئَ إلَيْهِمْ لِيَنْتَظِرُوهُ حَتَّى يَقْضِيَ تِلْكَ الرَّكْعَةَ ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَأَخَّرَ حِينَ تَذَكَّرَ ذَلِكَ وَقَدَّمَ رَجُلًا مِنْهُمْ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ فَهُوَ أَفْضَلُ أَيْضًا كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِرَكْعَتِهِ ثُمَّ تَأَخَّرَ وَقَدَّمَ مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ جَازَ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا.
وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ الْمُحْدِثُ مُسَافِرًا وَخَلْفَهُ مُقِيمُونَ وَمُسَافِرُونَ فَقَدَّمَ مُقِيمًا جَازَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُقَدِّمَ مُقِيمًا وَلَوْ قَدَّمَهُ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْقُعُودِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ مَعَ هَذَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إتْمَامِ أَرْكَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنَّمَا يَعْجِزُ عَنْ الْخُرُوجِ وَهُوَ لَيْسَ بِرُكْنٍ فَإِذَا أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ تَأَخَّرَ هُوَ وَقَدَّمَ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَاجِزٍ عَنْ الْخُرُوجِ فَيَسْتَخْلِفُ مُسَافِرًا حَتَّى يُسَلِّمَ فَإِذَا سَلَّمَ قَامَ هُوَ وَبَقِيَّةُ الْمُقِيمِينَ وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ وُحْدَانًا كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ أَحْدَثَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا.
وَلَوْ مَضَى الْإِمَامُ الثَّانِي فِي صَلَاتِهِ مَعَ الْقَوْمِ حَتَّى أَتَمَّهَا يَعْنِي صَلَاةَ الْإِقَامَةِ فَإِنْ كَانَ قَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَصَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْمُسَافِرِينَ تَامَّةٌ، أَمَّا صَلَاةُ الْإِمَامِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّ مَا الْتَزَمَ بِالِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ انْعَقَدَتْ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ رَكْعَتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ وَرَكْعَتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ وَقَدْ فَعَلَ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا تَتَعَلَّقُ صَلَاتُهُ بِصَلَاةِ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا الْمُسَافِرُونَ فَلِأَنَّهُمْ انْتَقَلُوا إلَى النَّفْلِ بَعْدَ إكْمَالِ الْفَرْضِ وَذَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا صَلَاةُ الْمُقِيمِينَ فَفَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَعَدُوا قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ انْقَضَتْ مُدَّةُ اقْتِدَائِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ أَنْ يُصَلُّوا الْأُولَيَيْنِ مُقْتَدِينَ بِهِ وَالْأُخْرَيَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ فَإِذَا اقْتَدَوْا فِيهِمَا فَقَدْ اقْتَدَوْا فِي حَالِ وُجُوبِ الِانْفِرَادِ وَبَيْنَهُمَا مُغَايَرَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَبِالِاقْتِدَاءِ خَرَجُوا عَمَّا كَانُوا دَخَلُوا فِيهِ وَهُوَ الْفَرْضُ فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ الْمَفْرُوضَةُ وَمَا دَخَلُوا فِيهِ دَخَلُوا بِدُونِ التَّحْرِيمَةِ وَلَا شُرُوعَ بِدُونِ التَّحْرِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ صَارَتْ فَرْضًا فِي حَقِّ الْإِمَامِ الثَّانِي لِكَوْنِهِ خَلِيفَةَ الْأَوَّلِ فَإِذَا تَرَكَ الْقَعْدَةَ فَقَدْ تَرَكَ مَا هُوَ فَرْضٌ فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْمُسَافِرِينَ لِتَرْكِهِمْ الْقَعْدَةَ الْمَفْرُوضَةَ أَيْضًا وَلِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْمُقِيمِينَ بِفَسَادِ صَلَاةِ إمَامِهِمْ بِتَرْكِهِ الْقَعْدَةَ الْمَفْرُوضَةَ.
وَلَوْ أَنَّ مُسَافِرًا أَمَّ قَوْمًا مُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَةً ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدَّمَ رَجُلًا دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ سَاعَتَئِذٍ وَهُوَ مُسَافِرٌ جَازَ لِمَا مَرَّ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَدِّمَهُ وَلَا لِهَذَا الرَّجُلِ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِمَا مَرَّ أَيْضًا أَنَّ غَيْرَ الْمَسْبُوقِ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَوْ قَدَّمَهُ مَعَ هَذَا جَازَ لِمَا بَيَّنَّا.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ وَيُتِمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ فَإِنْ سَهَا عَنْ الثَّانِيَةِ وَصَلَّى رَكْعَةً وَسَجَدَ ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدَّمَ رَجُلًا جَاءَ سَاعَتئِذٍ سَجَدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ يَتْبَعُهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى وَلَا يَتْبَعُهُ فِي الثَّانِيَةِ إلَّا أَنْ يُدْرِكَهُ بَعْدَ مَا يَقْضِي، وَالْإِمَامُ الثَّانِي لَا يَتْبَعُهُ فِي الْأُولَى وَيَتْبَعُهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِذَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَدَّمَ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ لِيُسَلِّمَ ثُمَّ يَقُومُ هُوَ فَيَقْضِي رَكْعَتَيْنِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا، وَإِنْ كَانُوا أَدْرَكُوا أَوَّلَ الصَّلَاةِ اتَّبَعَهُ كُلُّ إمَامٍ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى وَيَتْبَعُهُ الْإِمَامُ وَمَنْ بَعْدَهُ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْمُدْرِكَ لَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ بَلْ يَأْتِي بِالْأَوَّلِ، وَالْمَسْبُوقُ يُتَابِعُ إمَامَهُ فِيمَا أَدْرَكَ ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ، وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّ الْإِمَامَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ يَقُومَانِ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَيُتِمَّانِ صَلَاتَهُ، إذَا عُرِفَ هَذَا الْأَصْلُ فَنَقُولُ: الْإِمَامُ الْأَوَّلُ لَمَّا سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَقَدَّمَ هَذَا الثَّانِيَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ وَيُتِمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَالْأَوَّلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute