صَارُوا حَائِلِينَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ بِمَنْزِلَةِ أُسْطُوَانَةٍ أَوْ كَارَّةٍ مِنْ الثِّيَابِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُحَاذَاةُ وَلَوْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ تُفْسِدَانِ صَلَاةَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ مَنْ عَلَى يَمِينِهِمَا وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِمَا وَمَنْ خَلْفَهُمَا بِحِذَائِهِمَا، وَالثَّلَاثُ مِنْهُنَّ يُفْسِدْنَ صَلَاةَ مَنْ عَلَى يَمِينِهِنَّ وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِنَّ وَثَلَاثَةٍ خَلْفَهُنَّ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ قَالَ: الثِّنْتَانِ يُفْسِدَانِ صَلَاةَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ مَنْ عَلَى يَمِينِهِمَا وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِمَا وَاثْنَانِ مِنْ خَلْفِهِمَا بِحِذَائِهِمَا، وَالثَّلَاثُ يُفْسِدْنَ صَلَاةَ خَمْسَةِ نَفَرٍ مَنْ كَانَ عَلَى يَمِينِهِنَّ وَمَنْ كَانَ عَلَى شِمَالِهِنَّ وَثَلَاثَةٍ خَلْفَهُنَّ بِحِذَائِهِنَّ، وَفِي رِوَايَةٍ اثْنَتَانِ تُفْسِدَانِ صَلَاةَ رَجُلَيْنِ عَنْ يَمِينِهِمَا وَيَسَارِهِمَا وَصَلَاةَ رَجُلَيْنِ رَجُلَيْنِ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ وَالثَّلَاثُ يُفْسِدْنَ صَلَاةَ رَجُلٍ عَنْ يَمِينِهِنَّ وَرَجُلٍ عَنْ يَسَارِهِنَّ وَصَلَاةَ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُنَّ إذَا كُنَّ صَفًّا تَامًّا فَسَدَتْ صَلَاةُ الصُّفُوفِ الَّتِي خَلْفَهُنَّ وَإِنْ كَانُوا عِشْرِينَ صَفًّا.
وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ لَيْسَ لِمَكَانِ الْحَيْلُولَةِ؛ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ إنَّمَا تَقَعُ بِالصَّفِّ التَّامِّ مِنْ النِّسَاءِ بِالْحَدِيثِ، وَلَمْ تُوجَدْ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْفَسَادُ بِالْمُحَاذَاةِ وَلَمْ تُوجَدْ الْمُحَاذَاةُ إلَّا بِهَذَا الْقَدْرِ.
وَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَهُ أَنَّ لِلْمُثَنَّى حُكْمَ الثَّلَاثِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِمَامَ يَتَقَدَّمُ الِاثْنَيْنِ وَيَصْطَفَّانِ خَلْفَهُ كَالثَّلَاثَةِ ثُمَّ حُكْمُ الثَّلَاثَةِ هَذَا فَكَذَا حُكْمُ الِاثْنَيْنِ.
وَجْهُ الْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ لَا تُحَاذِيَانِ إلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ فَلَا تُفْسِدَانِ صَلَاةَ غَيْرِهِمْ وَفِي الصَّفِّ التَّامِّ، الْقِيَاسُ هَكَذَا أَنْ تَفْسُدَ صَلَاةُ صَفٍّ وَاحِدٍ خَلْفَهُنَّ لَا غَيْرَ لِانْعِدَامِ مُحَاذَاتِهِنَّ لِمَنْ وَرَاءَ هَذَا الصَّفِّ الْوَاحِدِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا فَحَكَمْنَا بِفَسَادِ صَلَاةِ الصُّفُوفِ أَجْمَعَ لِحَدِيثِ عُمَرَ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ نَهْرٌ أَوْ طَرِيقٌ أَوْ صَفٌّ مِنْ النِّسَاءِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ» جَعَلَ صَفَّ النِّسَاءِ حَائِلًا كَالنَّهْرِ وَالطَّرِيقِ فَفِي حَقِّ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِنَّ مِنْ خَلْفِهِنَّ وُجِدَ تَرْكُ التَّأْخِيرِ مِنْهُمْ وَالْحَيْلُولَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ بِهِنَّ وَفِي حَقِّ الصُّفُوفِ الْأُخَرِ وُجِدَتْ الْحَيْلُولَةُ لَا غَيْرُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ بِانْفِرَادِهِ عِلَّةٌ كَامِلَةٌ لِلْفَسَادِ ثُمَّ الثِّنْتَانِ لَيْسَتَا بِجَمْعٍ حَقِيقَةً فَلَا يُلْحَقَانِ بِالصَّفِّ مِنْ النِّسَاءِ الَّتِي هِيَ اسْمُ جَمْعٍ فَانْعَدَمَتْ الْحَيْلُولَةُ فَيَتَعَلَّقُ الْفَسَادُ بِالْمُحَاذَاةِ لَا غَيْرَ وَالْمُحَاذَاةُ لَمْ تُوجَدْ إلَّا بِهَذَا الْقَدْرِ فَأَمَّا الثَّلَاثُ مِنْهُنَّ فَجَمْعٌ حَقِيقَةً فَأُلْحِقْنَ بِصَفٍّ كَامِلٍ فِي حَقِّ مَنْ صِرْنَ حَائِلَاتٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ فَفَسَدَتْ صَلَاةُ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ وَفَسَدَتْ صَلَاةُ وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهِنَّ وَوَاحِدٍ عَنْ يَسَارِهِنَّ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْفَسَادَ بِالْمُحَاذَاةِ لَا بِالْحَيْلُولَةِ وَلَمْ تُوجَدْ الْمُحَاذَاةُ إلَّا بِهَذَا الْقَدْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ وَقَفَتْ بِحِذَاءِ الْإِمَامِ فَأَتَمَّتْ بِهِ وَقَدْ نَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ كُلِّهِمْ أَمَّا صَلَاةُ الْإِمَامِ فَلِوُجُودِ الْمُحَاذَاةِ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقَةً مُشْتَرَكَةً.
وَأَمَّا صَلَاةُ الْقَوْمِ فَلِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ يَقُولُ: لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ قَارَنَتْ شُرُوعَهَا فِي الصَّلَاةِ.
وَلَوْ طَرَأَتْ كَانَتْ مُفْسِدَةً فَإِذَا اقْتَرَنَتْ مَنَعَتْ مِنْ صِحَّةِ اقْتِدَائِهَا بِهِ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ وَلَا تَقَعُ الشَّرِكَةُ إلَّا بَعْدَ شُرُوعِهَا فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ فَلَمْ يَكُنْ الْمُفْسِدُ مُقَارِنًا لِلشُّرُوعِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ الشُّرُوعِ، وَإِنْ كَانَتْ بِحِذَاءِ الْإِمَامِ وَلَمْ تَأْتَمَّ بِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْإِمَامِ؛ لِانْعِدَامِ الْمُشَارَكَةِ، وَكَذَا إذَا قَامَتْ أَمَامَ الْإِمَامِ فَأَتَمَّتْ بِهِ؛ لِأَنَّ اقْتِدَاءَهَا لَمْ يَصِحَّ فَلَمْ تَقَعْ الْمُشَارَكَةُ، وَكَذَا إذَا قَامَتْ إلَى جَنْبِهِ وَنَوَتْ فَرْضًا آخَرَ بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الظُّهْرِ وَنَوَتْ هِيَ الْعَصْرَ فَأَتَمَّتْ بِهِ ثُمَّ حَاذَتْهُ لَمْ تُفْسِدْ عَلَى الْإِمَامِ صَلَاتَهُ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ شَارِعَةً فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُشَارَكَةُ، فَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ بَابِ الْآذَانِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ شَارِعَةً فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ فَوُجِدَتْ الْمُحَاذَاةُ فِي صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَفَسَدَتْ صَلَاتُهَا بِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَعَلَيْهَا قَضَاءُ التَّطَوُّعِ لِحُصُولِ الْفَسَادِ بَعْدَ صِحَّةِ شُرُوعِهَا كَمَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الظُّهْرِ وَقَدْ نَوَى إمَامَتَهَا فَأَتَمَّتْ بِهِ تَنْوِي التَّطَوُّعَ ثُمَّ قَامَتْ بِجَنْبِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهَا وَعَلَيْهَا قَضَاءُ التَّطَوُّعِ فَكَذَا هَذَا وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ قَبْلُ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: الْجَوَابُ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْآذَانِ، وَتَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْحَدَثِ أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهَا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ فَتُجْعَلُ هِيَ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ بِنِيَّةِ الْعَصْرِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهَا أَصْلًا فَلِهَذَا لَا تَصِيرُ شَارِعَةً فِي صَلَاتِهِ تَطَوُّعًا.
وَلَوْ قَامَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ يَقْضِيَانِ مَا سَبَقَهُمَا الْإِمَامُ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ.
وَلَوْ كَانَا أَدْرَكَا أَوَّلَ الصَّلَاةِ وَكَانَا نَامَا أَوْ أَحْدَثَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَيْنِ فِيمَا يَقْضِيَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ عَلَى الْمَسْبُوقِ، وَلَوْ سَهَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ فَلَمْ