يَشْتَرِكَا فِي صَلَاةٍ فَلَا تَكُونُ الْمُحَاذَاةُ مُفْسِدَةَ صَلَاتِهِ، فَأَمَّا الْمُدْرِكَانِ فَهُمَا كَأَنَّهُمَا خَلْفَ الْإِمَامِ بَعْدُ بِدَلِيلِ سُقُوطِ الْقِرَاءَةِ عَنْهُمَا وَانْعِدَامِ وُجُوبِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ عِنْدَ وُجُودِ السَّهْوِ كَأَنَّهُمَا خَلْفَ الْإِمَامِ حَقِيقَةً فَوَقَعَتْ الْمُشَارَكَةُ فَوُجِدَتْ الْمُحَاذَاةُ فِي صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ فَتُوجِبُ فَسَادَ صَلَاتِهِ.
وَمُرُورُ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ وَالْكَلْبِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ: يَقْطَعُ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ وَالْكَلْبِ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، «وَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ فَقِيلَ لِأَبِي ذَرٍّ: وَمَا بَالُ الْأَسْوَدِ مِنْ غَيْرِهِ؟ فَقَالَ أَشْكَلَ عَلَيَّ مَا أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» .
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَوْا فَقَدْ رَدَّتْهُ عَائِشَةُ ﵂ فَإِنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةِ: «يَا عُرْوَةُ مَا يَقُولُ أَهْلُ الْعِرَاقِ؟ قَالَ: يَقُولُونَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ وَالْكَلْبِ، فَقَالَتْ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ وَالنِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ بِئْسَمَا قَرَنْتُمُونَا بِالْكِلَابِ وَالْحُمُرِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَأَنَا نَائِمَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ مُعْتَرِضَةٌ كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ» ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْمَرْأَةِ نَصٌّ خَاصٌّ وَكَذَا فِي الْحِمَارِ وَالْكَلْبِ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ «كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَرَادَ ابْنُهَا عُمَرُ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ قِفْ فَوَقَفَ ثُمَّ أَرَادَتْ زَيْنَبُ بِنْتُهَا أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَشَارَ إلَيْهَا أَنْ قِفِي فَلَمْ تَقِفْ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: إنَّهُنَّ أَغْلَبُ» .
وَرُوِيَ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: زُرْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَعَ أَخِي الْفَضْلِ عَلَى حِمَارٍ فِي بَادِيَةٍ فَنَزَلْنَا فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي فَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَالْحِمَارُ يَرْتَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ» ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ يَمُرَّانِ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَلَوْ دَفَعَ الْمَارَّ بِالتَّسْبِيحِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ أَوْ أَخَذَ طَرَفَ ثَوْبِهِ مِنْ غَيْرِ مَشْيٍ وَلَا عِلَاجٍ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِقَوْلِهِ ﷺ «فَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» ، وَقَوْلِهِ «إذَا نَابَتْ أَحَدَكُمْ نَائِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّ التَّسْبِيحَ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقَ لِلنِّسَاءِ» ، وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إذَا مَرَّتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ لِيَصْرِفَهَا لَمْ تُقْطَعْ صَلَاتُهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَفْعَلَ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ أَيْ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ التَّسْبِيحِ وَالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّ بِإِحْدَاهَا كِفَايَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَيْ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَ الْعَمَلُ فِي الصَّلَاةِ مُبَاحًا.
وَمِنْهَا الْمَوْتُ فِي الصَّلَاةِ وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ فِيهَا أَمَّا الْمَوْتُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ مُعْجِزٌ عَنْ الْمُضِيِّ فِيهَا.
وَأَمَّا الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ فَلِأَنَّهُمَا يَنْقُضَانِ الطَّهَارَةَ وَيَمْنَعَانِ الْبِنَاءَ؛ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ اعْتِرَاضَهُمَا فِي الصَّلَاةِ نَادِرٌ فَلَا يَلْحَقَانِ بِمَوْرِدِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ وَهُوَ الْحَدَثُ السَّابِقُ وَسَوَاءٌ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ إمَامًا حَتَّى يَسْتَقْبِلَ الْقَوْمُ صَلَاتَهُمْ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقُومُ الْقَوْمُ فَيُصَلُّونَ وُحْدَانًا كَمَا إذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ.
وَمِنْهَا الْعَمَلُ الْكَثِيرُ الَّذِي لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَأَمَّا الْقَلِيلُ فَغَيْرُ مُفْسِدِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْكَثِيرُ مَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى اسْتِعْمَالِ الْيَدَيْنِ وَالْقَلِيلُ مَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذَلِكَ حَتَّى قَالُوا: إذَا زَرَّ قَمِيصَهُ فِي الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَإِذَا حَلَّ إزَارَهُ لَا تَفْسُدُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ عَمَلٍ لَوْ نَظَرَ النَّاظِرُ إلَيْهِ مِنْ بَعِيدٍ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَهُوَ كَثِيرٌ، وَكُلُّ عَمَلٍ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ نَاظِرٌ رُبَّمَا يُشْبِهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ قَلِيلٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يُخَرَّجُ مَا إذَا قَاتَلَ فِي صَلَاتِهِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْخَوْفِ أَنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا إذَا أَخَذَ قَوْسًا وَرَمَى بِهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْقَوْسِ وَتَثْقِيفَ السَّهْمِ عَلَيْهِ وَمَدِّهِ حَتَّى يَرْمِيَ عَمَلٌ كَثِيرٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى اسْتِعْمَالِ الْيَدَيْنِ، وَكَذَا النَّاظِرُ إلَيْهِ مِنْ بَعِيدٍ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْأَدَبِ عَابُوا عَلَى مُحَمَّدٍ فِي هَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَرَمَى بِهَا فَقَالُوا: الرَّمْيُ بِالْقَوْسِ إلْقَاؤُهَا مِنْ يَدِهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي الرَّمْي بِالسَّهْمِ رَمَى عَنْهَا لَا رَمَى بِهَا، وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ غَرَضَ مُحَمَّدٍ تَعْلِيمُ الْعَامَّةِ وَقَدْ وَجَدَ هَذَا اللَّفْظَ مَعْرُوفًا فِي لِسَانِهِمْ فَاسْتَعْمَلَهُ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى فَهْمِهِمْ فَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ، وَكَذَا لَوْ ادَّهَنَ أَوْ سَرَّحَ رَأْسَهُ أَوْ حَمَلَتْ امْرَأَةٌ صَبِيَّهَا وَأَرْضَعَتْهُ لِوُجُودِ حَدِّ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ عَلَى الْعِبَارَتَيْنِ، فَأَمَّا حَمْلُ الصَّبِيِّ بِدُونِ الْإِرْضَاعِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ وَقَدْ حَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute