للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَعْظِيمُهُ وَقَضَاءُ حَقِّ الْعُبُودِيَّةِ وَشُكْرُ النِّعْمَةِ وَتَكْفِيرُ الزَّلَلِ وَالْخَطَايَا الَّتِي تَجْرِي عَلَى يَدِ الْعَبْدِ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ وَأَمْكَنَ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهَا مَشْرُوعٌ خَارِجَ الْوَقْتِ مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ حَقًّا لَهُ فَيَقْضِي بِهِ مَا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا شَرَائِطُ الْوُجُوبِ فَمِنْهَا أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ إذْ الْإِيجَابُ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ تَكْلِيفُ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ، وَمِنْهَا فَوَاتُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْفَائِتِ وَلَا فَائِتَ مُحَالٌ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهَا مَشْرُوعًا لَهُ فِي وَقْتِ الْقَضَاءِ إذَا الْقَضَاءُ صَرَفَ مَا لَهُ إلَى مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَقَعُ عَنْ غَيْرِهِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْقَضَاءِ حَرَجٌ إذْ الْحَرَجُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا، فَأَمَّا وُجُوبُ الْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ فَلَيْسَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ اسْتِدْرَاكًا لِلْمُصْلِحَةِ الْفَائِتَةِ فِي الْوَقْتِ وَهُوَ الثَّوَابُ وَفَوَاتُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ لَا يَقِف عَلَى الْوُجُوبِ فَلَا يَكُونُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ: لَا قَضَاءَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فِي زَمَانِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ وَلَا عَلَى الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْعِبَادَةِ إذْ الْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِشَرَائِعَ هِيَ عِبَادَاتٌ عِنْدَنَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ وَالْإِسْلَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِي الْإِيجَابِ عَلَيْهِمْ حَرَجًا؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الصِّبَا مَدِيدَةٌ وَالْجُنُونُ إذَا اسْتَحْكَمَ وَهُوَ الطَّوِيلُ مِنْهُ قَلَّمَا يَزُولُ وَالْإِسْلَامُ مِنْ الْكَافِرِ الْمُقَلِّدِ لِآبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ نَادِرٌ فَكَانَ فِي الْإِيجَابِ عَلَيْهِمْ حَرَجٌ.

وَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَقَلَّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِانْعِدَامِ الْحَرَجِ وَإِنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْرَجُ فِي الْقَضَاءِ لِدُخُولِ الْعِبَادَةِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ، وَكَذَا الْمَرِيضُ الْعَاجِزُ عَنْ الْإِيمَاءِ إذَا فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ ثُمَّ بَرَأَ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً قَضَاهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ فِي الْمَرِيضِ: إنَّهُ يَقْضِي وَإِنْ امْتَدَّ وَطَالَ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُعْجِزُهُ عَنْ فَهْمِ الْخِطَابِ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَيْسَ؛ لِعَدَمِ فَهْمِ الْخِطَابِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَإِنْ كَانَتَا تَفْهَمَانِ الْخِطَابَ بَلْ لِمَكَانِ الْحَرَجِ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْمَرِيضِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْجُنُونَ الْقَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ وَدَلَّتْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ عَلَى أَنَّ سَابِقِيَّةَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ الصَّلَوَاتُ الْفَائِتَةُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إذَا قَضَاهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنَّهُ يَقْضِيهَا بِلَا تَكْبِيرٍ؛ لِأَنَّ فِي وَقْتِ الْقَضَاءِ صَلَاةً مَشْرُوعَةً مِنْ جِنْسِ الْفَائِتَةِ وَلَيْسَ فِيهِ تَكْبِيرٌ مَشْرُوعٌ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ الَّذِي يَجْهَرُ بِهِ.

وَأَمَّا شَرَائِطُ جَوَازِ الْقَضَاءِ فَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ شَرْطُ جَوَازِ الْأَدَاءِ فَهُوَ شَرْطُ جَوَازِ الْقَضَاءِ إلَّا الْوَقْتَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْقَضَاءِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ بَلْ جَمِيعُ الْأَوْقَاتِ وَقْتٌ لَهُ إلَّا ثَلَاثَةً وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتَ الزَّوَالِ وَوَقْتَ الْغُرُوبِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِمَا مَرَّ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْفَائِتِ وَالصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ تَقَعُ نَاقِصَةً وَالْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ كَامِلٌ فَلَا يَنُوبُ النَّاقِصُ عَنْهُ، وَهَذَا عِنْدَنَا.

وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَقَضَاءُ الْفَرَائِضِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَائِزٌ كَمَا قَالَ بِجَوَازِ أَدَاءِ الْفَجْرِ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَكَمَا يَجُوزُ أَدَاءُ عَصْرِ يَوْمِهِ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ بِلَا خِلَافٍ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا لَا وَقْتَ لَهَا غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ وَقْتٍ وَوَقْتٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَصْرُ يَوْمِهِ أَدَاءٌ فَكَذَا قَضَاءٌ، وَلَنَا عُمُومُ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِصِيغَتِهِ وَبِمَعْنَاهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَا رَوَاهُ عَامٌّ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا، وَمَا نَرْوِيهِ خَاصٌّ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فَيُخَصِّصُهَا عَنْ عُمُومِ الْأَوْقَاتِ مَعَ مَا أَنَّ عِنْدَ التَّعَارُضِ الرُّجْحَانُ لِلْحُرْمَةِ عَلَى الْحِلِّ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ عَصْرِ يَوْمِهِ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِعَصْرِ يَوْمِهِ ثَبَتَ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا فَجَوَّزْنَاهَا، وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْ لَأَمَرْنَا بِالتَّفْوِيتِ، وَتَفْوِيتُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا كَبِيرَةٌ وَهِيَ مَعْصِيَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَلَوْ جَوَّزْنَا الْأَدَاءَ كَانَ الْأَدَاءُ طَاعَةً مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ تَحْصِيلُ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً مِنْ حَيْثُ التَّشْبِيهُ بِعَبَدَةِ الشَّمْسِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ يَتَضَيَّقُ وُجُوبُهَا بِآخِرِ الْوَقْتِ أَلَا تَرَى أَنَّ كَافِرًا لَوْ أَسْلَمَ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ صَبِيًّا احْتَلَمَ تَلْزَمُهُ هَذِهِ الصَّلَاةُ وَالصَّلَاةُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ وَفِي عَصْرِ يَوْمِهِ يَتَضَيَّقُ الْوُجُوبُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَاقِصَةً وَأَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ بِخِلَافِ الْفَجْرِ إذَا طَلَعَتْ فِيهَا الشَّمْسُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتَضَيَّقُ بِآخِرِ وَقْتِهَا وَلَا نَهْيَ فِي آخِرِ وَقْتِ الْفَجْرِ وَإِنَّمَا النَّهْيُ يَتَوَجَّهُ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>